كان الأصيل يرخي عباءته على تلك الأرض الجرداء، وبدأت المعادن تفقد بريقها المعتاد. بريقٌ اعتدنا أن نراه يتلألأ في عيوننا كجيولوجيين.
ما زال ذاك اليوم عالقاً في ذاكرتي، في ولاية لبراكنه، حيث تراجعت رياح الشتاء وأصبحت درجات الحرارة معتدلة، في توازن نادر بين ساعات الليل والنهار.
كنا نتهيأ للمغادرة، لكن شعوراً غامضاً كان يقيدنا هناك، وكأن الأرض تهمس لنا بشيء لم نكتشفه بعد.
إنها أيام التنقيب قبل سنين عديدة من الآن، ربما عشر أعوام قبل أن يفكر المنقبون ببعثرة تراتبية طبقات الصخور وسبر ما فيها من معادن وجلاميد ! و قبل أن يتوافد الناس، جموعاً، ليستخرجوا ذلك المعدن البراق في موريتانيا.
ركب زميلي سيارة الدفع الرباعي التي كانت تحت تصرفنا وقد بدأ الإعياء يظهر عليه بعد يوم شاق من العمل وهو ينظر إلي متسائلا ألم يحن وقت الذهاب بعد أن اشبعنا ذلك العرق ضربا بمطارق Eastwing التي لا تبقى حجرا على حاله ولا تذر معدنا على سُكُونه.
نظر إليّ ولسان حاله يقول : “ألم يحن وقت الرحيل؟”
رفعت يدي إشارةً إليه أن يترجل، فهناك شيء لامع رأيته في تلك الصخرة.
نزل زميلي بخطوات ثقيلة، ومطرقته في يده، إقترب وعيناه تجاهدان التعب.
“ماذا ترى هنا؟”
– “حبيبات ذهب تختلط مع الكبريتات.”
ابتسم وهو متعب: “الآن؟ الآن تنظر للمعادن؟ ربما هي مجرد كبريتات تتشابه مع الذهب.”
لكني أجبته بحزم: “كلا، هذا ذهب، لا شك. بريقه واضح، حتى عندما أحرك الصخر بزوايا مختلفة، يعكس الضوء بنفس الوتيرة.”
نظر إليّ مطولاً، ثم عاد ينظر إلى المعدن بتركيز. بعد لحظة، قال: “حقاً، إنه ذهب. سنعود غداً، ندرس الموقع بتفصيل أكبر ونعد خريطة لهذا المؤشر.”
جمعنا عينتين ودوّنا ملاحظاتنا سريعاً، وقبل أن نكمل تسجيل البيانات، كان الظلام قد اجتاح المكان، فأخذنا طريق العودة إلى المخيم.
وفي صباح الغد…