وباء كورونا.. هل قضى على العولمة؟
وباء كورونا.. هل قضى على العولمة؟/ باسكال بونيفاس مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس
كان هذا قبل ثلاثة أشهر فقط، ولكن يبدو الآن كما لو أنه يعود إلى زمن آخر بعيد. فقد كانت العولمة محل احتفاء من قبل العالم برمته تقريباً. صحيح أن رئيس الولايات المتحدة والطبقات العاملة السابقة في البلدان الغربية كانت تبدي بعض الرفض والمقاومة إزاءها لأن هذه العولمة كانت تبدو لها سبب تأخرها في السلّم الاجتماعي وفقدانها القدرة الشرائية. غير أن كل بقية العالم كانت تنظر إلى العولمة على أنها أفضل شيء حدث للإنسانية على الإطلاق، بل إن زعيم الحزب الشيوعي الصيني شي جينبينغ احتفى بفتح الحدود واقتصاد السوق. والبلدان الأفريقية التي لطالما بقيت على الهامش أقبلت عليها بقوة وكانت ترى فيها الأمل في الوصول إلى الحداثة والنمو الاقتصادي وحكامة أحسن. ومن جانبها، هنأت آسيا نفسها كونها استطاعت انتشال ملايين الأشخاص من الفقر بفضل العولمة. وأصبحت بلدان الخليج القطب الجوي والاقتصادي والتجاري، ليس بين أوروبا وآسيا فحسب، وإنما في قلب العالم برمته.
وقبل قرابة ثلاثين عاماً، احتفى المحللون بنهاية الحدود وبصعود عالم جديد يتنقل فيه الجميع من دون عراقيل، سواء الأشخاص أو المنتجات، وحيث مفهوم الدولة الأمة بات محل تشكيك بسبب تطور التدفقات والشبكات التي تجعل مفهوم الدولة جزئياً قديماً عفا عنه الزمن. وانطلقت الصين في سباق إلى المقدمة حيث كان السؤال الوحيد الذي يُطرح ليس ما إن كانت ستتجاوز الولايات المتحدة وإنما متى.
غير أنه قبل ثلاثة أشهر أضحى كل ذلك موضع شك. فقد ضربت أزمة فيروس كورونا الصين أولاً وجعلتها في حالة توقف اقتصادي طيلة عدة أسابيع، فتوقف نموها. وأشار البعض إلى الطابع المركزي للنظام الذي سمح له بفرض عزل على ملايين السكان من أجل مكافحة الوباء.
غير أن منافسي الصين سرعان ما أصيبوا بخيبة أمل، لأنهم تعرضوا للإصابة أنفسهم. فواحدة تلو الآخر، أغلقت البلدان حدودها وحظرت على سكانها الخروج من بيوتهم. وأصاب شبح أوبئة الماضي الكبيرة — الانفلونزا الإسبانية لعام 1918، التي قتلت ما بين 50 و100 مليون شخص، أو الطاعون الكبير الذي قضى على ثلث سكان أوروبا وآسيا خلال القرن الرابع عشر — العالم بالرعب. وبات هذا الأخير اليوم يبدو متوقفاً، حيث هوت أسواق المال، وظلت الطائرات جاثمة في المطارات لا تقلع أو تطير وثلاثة أرباع مقاعدها فارغة.
فهل يمكن القول إن لا شيء سيعود كما كان من قبل؟
الواقع أنه بالأمس كنتُ أستطيع الذهاب إلى كل بلدان العالم تقريباً بسهولة بفضل جواز سفري الفرنسي. أما اليوم، فقد بتُّ ممنوعاً من السفر إلى أكثر من مئة بلد، وأنا على كل حال في عزلة في شقتي الباريسية الآن.
ولا شك أنه ستكون ثمة جملة من الدروس والعبر التي ينبغي استخلاصها، ولو بخصوص بعض المسائل البيئية. فربما ينبغي علينا العودة إلى الإنتاج محليا وعدم مضاعفة التبادلات التي يُعد بعضها غير ضروري وعديم الفائدة… غير أن كلفة التوقف الاقتصادي مؤقتة فقط. ذلك أن الصين من المتوقع أن تستأنف مسيرتها نحو النمو بسرعة، وستتبعها بقية العالم. ومن دون شك ستكون ثمة سنة بيضاء، ولكن حالما تمر الأزمة سيرغب الناس في السفر والترفيه والاستهلاك من جديد.
نقلا عن صحيفة الاتحاد