تداعيات كوفيد 19 الاقتصادية في السنغال
أبوبكر تيبو سيسي / باحث سنغالي
لا يخفى على أحد ما يحدث حاليًا في العالم بأَسْره؛ حيث يعيش الجميع صدمة مفاجئة بسبب تفشّي فيروس كورنا (كوفيد19) الذي نشأ في “الصين” بتاريخ 19/11/2019م، والتي تعتبر عالميًّا أكبر دولة تجارية ومُصدِّرة وثاني دولة مستوردة، وقد ظهر على وجه التحديد في مدينة “ووهان”، ثم لم يلبث مليًّا حتى غزا الكرة الأرضية جمعاء شرقًا وغربًا، جنوبًا وشمالاً بسرعة فائقة؛ نظرًا لمكانة الصين في العالم، حيث تعتبر بؤرته التي تلتقي فيها الدنيا؛ لورود سوقه العالمي الرائج بالبضائع النادرة من: أيادٍ عاملة رخيصة، وغيرها في ظل العولمة التي جعل العالم كتلة واحدة بمثابة جسد واحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
فأحدث ذلك بلبلة منقطعة النظير في أصعدة كثيرة في حياتنا: الاقتصادية والاجتماعية والصحية والدينية؛ مما أدَّى إلى خسائر بشرية ومادية فادحة جراء حظر التجوال الذي فرض على الناس داخل المدن، وإسدال الأسواق العالمية ستارها، كما أغلقت دور العبادة؛ فتوقفت الدنيا بلا سابق إنذار برهة من الزمن انهار خلالها اقتصاديات العالم، واحدًا تلو الآخر؛ فنتجت من ذلك كارثة اقتصادية فذة تذكّرنا بالكساد الاقتصادي الذي هزّ العالم في عام 1930م.
ولم يحطّ فيروس كورونا (كوفيد19) رحاله بعدُ، بل لا يزال يستمر في مشواره التخريبي يخلف وراءها تداعيات وآثار اقتصادية ومالية رهيبة في الدول التي اعتبرها الناس ذوات كيانات اقتصادية متينة فضلاً عن الدول المتخلفة.
كوفيد19 في السنغال: بدايات وتصعيد:
لقد وصل كوفيد19 إلى السنغال بعد أن انسلّ من الصين مواصلاً زحفه نحو أقطار العالم بتاريخ: 02/03/2020م بحالة إصابة واحدة مستوردة من فرنسا. فاندلع به العداد واستمر في التزايد يومًا بعد يوم إلى أن وصل إلى 105 حالات بعد أربعة وعشرين يومًا من تاريخ الدخول مع تعافي تسع حالات دون تسجيل أية حالة حرجة أو وفاة. ولكن لم يمض من الوقت كثيرًا إلا وتم إعلان أول حالة الوفاة بكوفيد19 في تاريخ 31/03/2020م وفي حينه كان عدد المصابين 175 حالة([1]). من هنا بدأ التطور في المقاومة وأخذت التدابير الوقائية تأخذ منحى آخر.
وبالنظر إلى تزايد عدد المصابين مع حالات الوفيات الجديدة، أخذت الحكومة عدة تدابير احترازية للحدّ من انتشار الفيروس في ربوع السنغال، من أهمها: ما أعلنه وزير النقل الجوّي في إطار استباق الأحداث لاحتواء الوباء خلال أحد تصريحاته الإعلامية بتاريخ: 16/03/2020م؛ حيث أفاد فيها بإيقاف حركات النقل الجوي عدا الطائرات الطبية والتي تحمل البضائع([2]). وفي نفس السياق أصدر رئيس الجمهورية مرسومًا رئاسيًّا أعلن خلاله حظر التجوال الجزئي -أو الحظر الصحي- في كافة البلاد، ابتداءً من الساعة الثامنة مساء إلى السادسة صباحًا، مع إغلاق كافة المدارس والجامعات إلى أجل غير مسمى، ومنع التجمعات بكافة أشكالها([3]).
فتعاقبت السلطات التنفيذية المتمثلة في وزارات الحكومة بتجسيد المرسوم في أرض الواقع بإصدار عدة أوامر تنظيمية، من أهمها: التوجيهات التي أصدرتها وزارة النقل البري التي شملت منع السفر بين المدن والقرى في السنغال وإيقاف حركة النقل البرّي العام، وتقليص عدد ركاب السيارات بالاكتفاء بنصف المقاعد؛ مراعاةً للتباعد الاجتماعي DISTANCIATION SOCIALE))، مع إلزام العاملين في النقل العمومي داخل المدن بتعقيم سياراتهم مرة واحدة في اليوم على أقل قدر ممكن، وغير ذلك مما تضمنته القرار من الأوامر([4]).
وبهذه القرارات والمرسوم الرئاسي دخلت الحكومة مرحلة جديدة أعلنت خلالها حربًا شرسة وجادة ضد الجائحة، ومع ذلك لم ينزجر الفيروس ولم يأبه بها؛ لأنه استمرَّ سيره دون انزعاج فيرتفع منحى الإصابات والوفيات بالاستمرار؛ حيث وصل عدد المصابين بعد ثلاثة أشهر من المواجهة إلى: 3932 حالة، وشفي منهم 2063 شخصًا، كما تم تسجيل 45 حالة وفاة، وبقي 1823 منهم يخضعون للعلاج الطبي([5]) بعد أن اقتحم الفيروس تقريبًا جميع الأقاليم في السنغال، بيد أنَّ الإحصاءات تفيد بأن دكار (العاصمة) وضواحيها هي المدينة الأكثر تأثرًا به؛ لأنه وصل عدد المصابين فيها في تاريخ 06/06/2020م إلى3131 حالة من إجمالي المصابين الذين وصل عددهم إلى 4249 حالة([6]).
وبعد أن اشتد الخناق؛ عاش الشعب ألوانًا من العذاب جراء هذه التدابير الاحترازية الصعبة التي تمخضت عن ظروف معيشية معقدة في البلاد، اضطر رئيس الحكومة إلى إلقاء خطاب جديد موجّه إلى الشعب مفاده: ضرورة التعايش مع الفيروس رغم ارتفاع أعداد حالات المصابين والوفيات يوميًّا؛ فأرخى الحبل نسبيًّا بالسماح للناس بالرجوع إلى حياتهم الطبيعية مع امتثال التوجيهات والإرشادات الصحية الصادرة من وزارة الصحة. فصرح وزير الداخلية في تاريخ 04/06/2020م باختزال فترة حظر التجوال بتقليص ساعاته -بعد مسيرات احتجاجية ساخنة من الشعب لرفع الحظر-؛ لتبدأ من الساعة الحادية عشرة مساء وتنتهي عند الساعة الخامسة صباحًا، والسماح أيضًا بالتنقل بين المدن وغيرهما من الإجراءات([7]). ومما يجدر ذكره أيضًا في هذا الصدد: عدم ترحيب بعض الأصوات من الأطباء بهذه القرارات، ووصفهم إياها بأنها غير مناسبة مع تطوُّر الجائحة في البلاد في الوقت الراهن.
كيان الاقتصاد السنغالي أمام صدمة الكوفيد19:
عمومًا يصنّف البنك الدولي سنويًّا اقتصادات العالم حسب مستويات الدخل الفردي، فشكل بذلك أربع مجموعات:
1- بلدان مرتفعة الدخل.
2- الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل.
3- الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل.
4- البلدان منخفضة الدخل.
وتندرج السنغال تحت الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل؛ حيث يقدّر نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي بـ1410 دولارات سنويًّا، علمًا بأن الحد الأدنى والأقصى لفئة الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل هو: (1026-3995) دولارًا([8]).
ويُستفاد من هذا التصنيف بأنَّ طبيعة اقتصاد السنغال متوسطة الحال، وتتمتع بشيء يسير من المناعة أمام الأزمات الاقتصادية بالمقارنة مع البلدان المنخفضة الحال، كما قد تستفيد به نسبيًّا أيضًا عند الاستدانة لسياستها التوسعية لمواجهة آثار النكبة الصحية عند الجهات المانحة المتعددة الأطراف؛ مثل: البنك الدولي وصندوق النقد الدولي؛ لأنه يعتبر التصنيف عاملاً حاسمًا في تحديد أسعار الفائدة على القروض؛ حيث يتم تطبيق رسوم إضافية على أسعار الفائدة على القروض المقدَّمة إلى البلدان التي صُنّفت باعتبارها مرتفعة الدخل لمدة سنتين متتاليتين.
وهذا الاستعراض يبيِّن على وجه العموم مرتبة اقتصاد السنغال أمام بلدان العالم باعتبار معيّن، غير أن هناك معايير عالمية خاصة أكثر دقة وضعتها المؤسسات المالية الدولية لقياس مدى قوة هشاشة الدول أمام محنة كوفيد19، ومن تلكم المقاييس ما يلي:
1- تُعد الدول الناشئة والقريبة إلى النشوء (Pays emergent et pre-emergent ) التي تصدر سندات اليورو (Eurobond) هشة جدًّا، وغيرها ضعيفة نوعًا ما.
2- باعتبار معايير البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي في قياس مدى قدرة الدول على سداد الديون؛ فهشاشة الدولة بواسطته ترتبط بدرجة عجزها أو قدرتها على سداد القروض، فكلما انخفضت درجة العجز قويت الدولة، وكلما اشتدت ضعفت([9]).
وعند تطبيق هذين المعيارين على السنغال، تكون السنغال دولة هشة جدًّا بالنظر إلى المعيار الأول؛ لأنها من الدول الناشئة التي تصدر سندات باليورو بين الفينة والأخرى وبمبالغ خيالية جدًّا، ففي عام 2018م على سبيل المثال: استطاعت أن تستقطب تمويلاً مقدرًا بـ 1100 مليار فرنك سيفا بواسطة سندات اليورو (Eurobond)([10]).
وأما بالنظر إلى التصنيف المتعلّق باستفحال الديون أو عدمه؛ فهي مصنّفة في دائرة الدول ذات مخاطر المديونية المفرطة بصورة معتدلة؛ حيث تشكل ديونها 64% في الناتج المحلي الإجمالي حسب تقرير حديث صدر من الصندوق النقدي الدولي([11]). وبالتالي لم تَعُد السنغال تتمتع بصلاحية الاستدانة من المؤسسات المالية الدولية كما يحلو لها، بل بقيود سيضعها المانحون، وهذا قد يكون حجر عثرة عند الاستقراض في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.
تداعيات كوفيد19 الاقتصادية في السنغال:
كما هو الملحوظ في تطوّر الفيروس، لم تشهد السنغال خسائر بشرية فاجعة مقارنةً ببعض الدول: مثل الصين -منبع الفيروس- وإيطاليا، وفرنسا وغيرها، رغم أنها أكثر تأهبًا لمواجهة الأزمة من دولنا بالنظر إلى الإمكانات المالية والطبية التي تمتلكها؛ من الكوادر والمعدات الطبية. مثلاً لم يمضِ دخول الفيروس في إيطاليا إلا أسبوعين ثم بدأ معدّل العدوى يأخذ منعطفًا خطيرًا؛ فباتت مهمة الطواقم الطبية بذلك شبه مستحيلة؛ بسبب الإصابات وسقوط الأرواح بأعداد مذهلة. وفي المقابل نجد السنغال لم تحصد بعد ثلاثة أشهر من دخول الفيروس في أرضها سوى أربعين ونيِّف من حالة الوفيات، ولكن مع قلة الخسائر البشرية، تأثر الاقتصاد السنغالي بضربات عنيفة أصابت الاقتصاد الكلي، والقطاعات، والأفراد.
أما تداعيات الكوفيد19 على الاقتصاد الكلي فهي متعددة الأطوار، منها: ما يخص النمو الاقتصادي، فالسنغال شهدت منذ عام 2014م طفرة لافتة للنظر؛ حيث كان متوسط معدل النمو الاقتصادي لفترة ما بين (2014-2018م) 6.2% بعد أن كان 3.3% لفترة ما بين (2009-2013م)([12])، ثم استقر في عام 2019م في 5.2% بعد أن كان 6.4% في عام 2018([13])، ثم بعده أتت المبشرات تفيد بالتوقعات في غرة العام الجديد (2020م) بتحسُّن الوضع نحو الأفضل؛ حيث سيصل المعدل إلى 6.3% و6.8% في عام 2021م([14])، ولكن جاءت عاصفة كوفيد19 قاطعة الرجاء بنسف كل الحسابات المطمئنة؛ لأن الإحصاءات أفادت بأن معدل النموّ سيهبط إلى أقل من 3%([15]) بعد تعثر وتأثر الاقتصاد بالحجر الصحي المفروض على الشعب.
ومن التداعيات أيضًا: تأثر التدفق النقدي بانقطاع المبالغ الهائلة التي كانت يحوّلها المهاجرون إلى ذويهم ليقتاتوا بها ولإقامة بعض المشاريع، وتُقدر تلك الأموال الضخمة سنويًّا بأكثر من 1000 مليار فرنك سيفا([16]).
كما تضرَّر الاقتصاد أيضًا بتحمُّل مزيد من الديون، فإضافة إلى ما تم استقراضه من قبل المانحين لإقامة بعض المشاريع العملاقة وسد الثغرات في ميزانية عام 2020م، اضطرت الحكومة نظرًا للظروف المفاجئة التي لم تحتسب لها، إلى تقديم طلبات للحصول على تمويل طارئ لدى صندوق النقد الدولي للاستفادة منه في سياسته التوسعية، وقد استجاب الصندوق للطلب الثاني لها بعد الأول؛ فوفّر لها ما يبلغ 442 مليون دولار([17])؛ أي ما يعادل أكثر من 243 مليار فرنك سيفا مما يزيد العبء الثقيل للدَّيْن على كاهل الدولة التي أنهكتها الديون قبل ذلك؛ لذا نسمع كثيرًا نداءات من قبل الرئيس في منابر مختلفة يستميل فيها عواطف المانحين ليسقطوا الديون عن الدولة.
وأما ما يتعلق بجميع القطاعات فكلها منكوبة، ولكن نكتفي بذكر القطاع السياحي وملحقاته كنموذج.
تعتبر السياحة من أهم القطاعات التي تساهم في دفع عجلة الاقتصاد العالمي؛ ففي السنغال على سبيل المثال: تشارك السياحة في الناتج المحلي الإجمالي سنويًّا بنسبة 7%([18])، ولكن باتت حاليًا من أشد القطاعات تأثرًا بالجائحة في الوقت الذي أُغلقت المطارات في جميع أنحاء العالم، وتوقفت جميع الحركات الجوية؛ وأغلقت الفنادق فأصبح روّادها من رجال الأعمال يعيشون في ظلام دامس على غرار مسؤولي شركة السنغال للطيران؛ حيث خسرت حسب ما أفاده وزير السياحة والنقل الجويّ: ما يقارب بـ 20 مليار فرنك سيفا في غضون ثلاثة أشهر فقط، كما فقد المطار الدولي “بليس جانج” أكثر من مليون مسافر…([19])؛ لذا يجب على قادة القارة الاستفادة من هذه المصيبة والتفكير في إنشاء شركة طيران مشتركة موحدة قوية لإفريقيا تستطيع الصمود أمام مثل هذه الكوارث الاقتصادية، وإن تعذر ذلك، فأقل شيء أن تنتظم بعض الدول لإنشاء شركة إقليمية، على سبيل المثال: لو يفكّر حكام الدول الثمانية المشتركة في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا (uemoa) في إنشاء شركة إقليمية تشترك فيها جميع دول الأعضاء ستكون لها قوة تنافسية كبيرة مع شركات الطيران الأخرى في القارة وفي العالم، كما ستحظى بمناعة وحصانة أقوى أمام موجات المِحَن، وإلا فلن تجدي الشركات الوطنية الخاصة التي تمتلكها دويلات صغيرة في ظل وجود شركات تفوق ميزانيتها، ميزانية دول القارة.
وأما آثار كورونا على الأفراد فحدِّث ولا حرج، فتداعياته على المستوى المعيشي جلية؛ حيث أصبح الجميع يلتزم بالحجر الصّحي الجزئي الذي فرضته الحكومة على الشعب كإجراء وقائي، وبلا ريب، تترتب على ذلك تأثيرات سلبية على المردودات المالية للأفراد خصوصًا في محيط العمالة اليومية الذين كانوا يعتمدون على ما يقتاتون يوميًّا لإعالة أسرهم، وما أكثرهم في المجتمع!! فأصبحت يومياتهم في وقت الجائحة أضيق مما مضى؛ إذ من يضطر للرجوع إلى بيته قبل ساعات الحظر مع الزحمة الشديدة، ليس كمن أُطْلِق إلى حال سبيله يتقلب بين الشدة والرخاء، ويحدث كل هذا في غياب سياسة اجتماعية رشيدة من الحكومة تُسعف المحتاجين وقت الضيق مما أدى إلى معاناة كبيرة؛ مما اضطر بعض الأحرار الذين كانوا يأكلون من كسب أيديهم إلى التسلل إلى بيوت من يظنونهم ميسوري الحال يتكففون في مائدتهم. وهذا كله غَيْض من فيض وقصص لا تنتهي من آثار كوفيد19 وتداعياته في اقتصاد السنغال.
السياسة التوسعية:
لا شك أن السنغال تمر بفترة صعبة تعاني منها ركودًا اقتصاديًّا يتطلب سياسة توسعية حكيمة تتمحور باختصار حول: زيادة الإنفاق الحكومي، وتخفيض الضرائب، وتقليل أسعار الفائدة لإخراجها من الخندق قبل أن يفوت الآن؛ لذا قامت الحكومة ممثلة في الرئيس بتفعيل السياسة المناسبة لحالها قدر المستطاع؛ فلأجله، أوجد صندوق الاستجابة والتضامن لمواجهة آثار كوفيد19 وزوّده بمبلغ قدره 1000 مليار فرنك سيفا([20])، الذي استطاعت الحكومة تمويل جزء منه، وجمعت جزءًا آخر من خلال تبرعات المحسنين من أصحاب الشركات وغيرهم من جميع شرائح المجتمع، كلٌّ حسب قدرته، ثم تم ضخّه في الاقتصاد بطريقة رآها موافقة لمتطلبات الوضع الراهن؛ بغية إنعاشه بزيادة النشاط والنمو الاقتصادي.
وفيما يتعلق بالتخفيفات الضريبية أيضًا، شرعت الحكومة بواسطة وزير المالية بإصدار قرار وزاري جديد مفاده الإعفاء الضريبي الجزئي للعام المنصرم يشمل جميع الشركات التي توفرت عليها الشروط، ويقدر إجمالي سقف الديون الضريبية التي سيتم إعفاؤها بـ200 مليار فرنك([21]).
الكنز الضائع:
النظام الاقتصادي الإسلامي وضع وسائل عدة للحدّ من الفقر؛ منها: الزكاة، وهي أداة لإعادة توزيع الثروات كي لا تكون دُولَة بين الأغنياء؛ لذا طالما استخدمه حكام المسلمين في القرون المفضلة، وكذلك في العصر الحديث لسد ثغرة من الثغرات في اقتصاديات دولهم، وعلى سبيل المثال: تمكن الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز من أن يَحُدّ من الفقر كليًّا في خلافته بواسطتها. ولكن مع الأسف لم نلاحظ في السنغال تلك الآثار الإيجابية للزكاة؛ رغم كونها دولة إسلامية باعتبار نسبة المسلمين فيها البالغة: ٩٥٪([22])، والسبب الرئيسي في ذلك هو أن الحكومة علمانية، وبطبيعة الحال، لا تتدخل في الشؤون الدينية رسميًّا رغم أن أكثر شعبها مسلمون؛ لذا نجدها متفرجة منذ أمد بعيد أمام القضايا الدينية مثل تنظيم الزكاة من حيث وضع القوانين تصبّ في مصلحة جبايتها.
وبتضييع السنغال لهذا الكنز العظيم -الذي يعتبر ركنًا من أركان الإسلام-؛ فوّتت على نفسها مليارات فرنك سيفا، وبالمثال يتضح المقال: تشكل نسبة المسلمين في السنغال 95٪ كما أسلفنا، لو استطاعت الحكومة أخذ زكاة الفطر (صاعان) بقيمة مالية مقدرة بـ2000 فرنك سيفا من 45٪ من إجمال السكان الذي وصل إلى 15.726.037 نسمة([23]) لحصلت من خلالها على 13.445.761.635 فرنك سيفا. فكيف لو استطاعت أن تجمع الزكوات الواجبة على المقتدرين من كافة المجتمع؟ لا شكّ أن ذلك سيشكل لها غنيمة كبرى تستطيع بواسطتها تمويل مشاريع أخرى تهدف إلى الحد من الفقر، كما تسوغ لها أيضًا الاستفادة منها في سياستها التوسعية دون الحاجة إلى الاعتماد الكلي على الاستقراض من البنوك والمانحين لحلّ مشاكلها الظرفية، مع العلم بأن جمهور العلماء أجاز تعجيل إخراج الزكاة عند الضرورة لمدة عام أو عامين.
ماذا بعد كوفيد19؟
بات فيروس كورونا آلة تشخيص لنا؛ حيث أظهرت فينا نقاط ضعفنا ونقاط قواتنا في جميع المجالات: الاقتصادي، والاجتماعي، والبحث العلمي، وكذلك في مضمار الاختراع؛ قد شهدنا عدة اختراعات في الآونة الأخيرة -بفضل الله ثم بفضل كورونا- من فئات مختلفة مثل: النوابغ من الطلبة، والمهندسين، وحتى المهنيين والحرفيين أثبتوا جدارتهم في الصراع للمساهمة في الحرب ضد كوفيد19؛ كلّ في مجال تخصصه، وكان الأبرز منهم المتخصصون في علوم التكنولوجيا كما لم يألُ الحرفيون جهدًا في صناعة آلات تقليدية متطورة لغسل الأيادي.
لذا ينبغي على السنغال حكومة وشعبًا أخذ العبر مما يحدث حاليًا بالبحث عن مواطن الخلل التي قد خفيت عليها؛ فأظهرت لنا إياها الجائحة للتخلُّص منها، ثم العناية بالمبشرات التي أتت معه بتطويرها، حتى نعمل بالجدية والتفاني لردم الهوة الواسعة التي أدخلنا فيها (كوفيد19) بلا رحمة، ولا يمكن ذلك إلا بأمور كثيرة، منها:
الأمر الأول: تشجيع البحث العلمي في كافة التخصُّصات؛ لأن سرّ تقدُّم الدول يكمن في العناية الفائقة بالحراك العلمي الجاد.
الأمر الثاني: إيجاد كفاءات وطنية في جميع المجالات: الصناعية، والخدمية، والمالية، والزراعية؛ بحيث لا تحتاج الحكومة باستخدام الشركات العابرة للقارات في إقامة مشاريعها التنموية كما يحدث الآن.
الأمر الثالث: العمل الدبلوماسي الاقتصادي، أي تصدير الخدمات الاقتصادية إلى العالم الخارجي.
فبهذه الأمور الثلاثة ستتكمن السنغال من الانبعاث مجددًا بعد ركود اقتصادي خلفه الجائحة وراءها.
ــــــــــــــــ
المراجع:
- الموقع الرسمي للحكومة السنغالية، الرابط: https://www.sec.gouv.sn/actualit%C3%A9/le-s%C3%A9n%C3%A9gal-suspend-ses-vols-avec-cinq-5-pays-europ%C3%A9ens-et-deux-2-pays-du-maghreb
- الموقع الرسمي للوزارة الصحة والتضامن، الرابط: https://cartosantesen.maps.arcgis.com/apps/opsdashboard/index.html#/260c7842a77a48c191bf51c8b0a1d3f6
- خطاب وزير الداخلية في 04/06/2020م للإعلان عن التخفيفات المتعلقة بحظر التجوال، رابط الفيديوهات: https://www.youtube.com/watch?v=MfRX6op_mdY
- انظر: الموقع الرسمي للبنك الدولي، الرابط: https://blogs.worldbank.org/fr/opendata/nouvelle-classification-des-pays-en-fonction-de-leur-revenu-actualisation-2019-2020
- موقع مجلة الاقتصادي reussir business، الربط: http://reussirbusiness.com/en-une/eurobond-2018-le-senegal-empoche-plus-de-1100-milliards-cfa-pour-financer-les-projets-dinfrastructures-du-pse/
- https://afrimag.net/surendettement-le-senegal-rappele-a-lordre-par-le-fmi/،
- http://www.rfi.fr/fr/afrique/20200222-endettement-senegal-rapport-fmi،
- https://fr.africacheck.org/factsheets/fiche-dinfo-senegal-comprendre-le-passage-dun-risque-de-surendettement-faible-a-modere/
- خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة احتفال عيد الاستقلال لعام 2020م، الرابط: https://www.sec.gouv.sn/actualit%C3%A9/message-%C3%A0-la-nation-de-son-excellence-monsieur-le-pr%C3%A9sident-macky-sall-%C3%A0-l%E2%80%99occasion-de-2
- الموقع الرسمي لصندوق النقد الدولي، وتم النقل منه 09/06/2020م، الرابط: https://www.imf.org/fr/News/Articles/2020/04/13/pr20152-senegal-imf-exec-board-approves-us-442-million-disbursement-under-rcf-and-purchase-under-rfi
- موقع IGFM، وتم النقل منه 09/06/2020م، رابط التصريحات: https://www.igfm.sn/covid-19-au-senegal-en-3-mois-la-compagnie-aerienne-air-senegal-a-perdu-plusieurs-millards-fcfa-ministre
- موقع وزارة المالية، الرابط: https://covid19.economie.gouv.sn/mesures/remise-partielle-de-la-dette-fiscale-constatee-au-31-decembre-2019
- الموقع الرسمي للوكالة الوطنية للإحصاء الديموغرافي، الرابط: http://www.ansd.sn/index.php?option=com_content&view=article&id=481:la-population-du-senegal-en-2018&catid=56:depeches&Itemid=264
- les Communiqués de Presse N°1-19 du Ministère de la Santé et de l’Action sociale : Point de Situation sur le COVID-19، le lien des Communiqué: http://www.sante.gouv.sn/Pr%C3%A9sentation/coronavirus-informations-officielles-et-quotidiennes-du-msas
- les Communiqués de Presse N°1-19 du Ministère de la Santé et de l’Action sociale : Point de Situation sur le COVID-19، le lien des Communiqué: http://www.sante.gouv.sn/Pr%C3%A9sentation/coronavirus-informations-officielles-et-quotidiennes-du-msas
- ARRÊTÉ MINISTÉRIEL N° 008231 DU 25 MARS 2020 RELATIF AUX MESURES DE RESTRICTION DANS LE SECTEUR DES TRANSPORTS TERRESTRES POUR LA LUTTE CONTRE LE COVID-19،le lien: https://www.sec.gouv.sn/actualit%C3%A9/arr%C3%AAt%C3%A9-minist%C3%A9riel-n%C2%B0-008231-du-25-mars-2020-relatif-aux-mesures-de-restriction-dans-le
- les Communiqués de Presse N°94 du Ministère de la Santé et de l’Action sociale : Point de Situation sur le COVID-19، le lien des Communiqué: http://www.sante.gouv.sn/Pr%C3%A9sentation/coronavirus-informations-officielles-et-quotidiennes-du-msas
18.PERSPECTIVES ÉCONOMIQUES RÉGIONALES AVRIL 2020، AFRIQUE SUBSAHARIENNE COVID-19 : une menace sans précédent pour le développement، fond mometaire international (FMI) page: 4
- Mémorandum sur les politiques économiques et financières 2015-2019 page: 4
- EVOLUTIONS ECONOMIQUES RECENTES Quatrième trimestre 2019، AGENCE NATIONALE DE LA STATISTIQUE ET DE LA DEMOGRAPHIE(senegal)page:7
- Perspectives économiques au Sénégal
- DIRECTION GENERALE DE LA PLANIFICATION ET DES POLITIQUES ECONOMIQUES revue
- annuelle conjointe page 5
المصدر: قراءات إفريقية