“البطاقة التموينية” أمن غذائي وتجارب خالدة / باباه ولد التراد
تعد البطاقة التموينية من التجارب العالمية الناجحة التي طبقتها الدول الغنية والفقيرة بمختلف اتجاهاتها .
وتكمن فكرتها الأساسية في تقديم الدعم الحكومي للسلع الضرورية وتوفيرها للمواطنين بغية حصولهم عليها بأسعار مخفضة تعينهم على قضاء متطلباتهم الأساسية بأقل من ثمنها في السوق.
وتستطيع الدول من خلال تلك البطاقة ضم أي سلعة إلى قائمة السلع التي تدعمها، وفقاً لحاجة الأفراد وأهميتها بالنسبة لهم.
وبما أن الأمن الغذائي ظل أولوية قصوى لضمان ازدهار واستقرار الأمم – سيما في أوقات الأزمات – فليس من المستغرب أن يحظى بلد مثل الولايات المتحدة التي تبنت نظام البطاقات التموينية منذ العام 1964 بتوفير الغذاء لأكثر من 28 مليون مواطن يتسلم كل منهم أغذية بمبالغ تتراوح بين 100 و160 دولار في الشهر على حساب الدولة،
وإن كانت قد استبدلت البطاقات التموينية الورقية في الأعوام الأخيرة ببطاقات ألكترونية تستخدم لشراء الطعام .
أما في الشرق فقد طرح المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، استراتيجية وطنية للأمن الغذائي في العصر الحديث، اعتمدت إطعام أكثر من مليار شخص ووضعت أساسا لضمان توفير الحبوب في الصين التي تولي أهمية للإنتاج والتوزيع العادل للغذاء في جميع نواحي البلاد وفي كل الأوقات، مما يدل على رؤية الصين الإستراتيجية نحو الأمن الغذائي.
لأن” وجود الطعام على الطاولة بشكل دائم يرتبط بسلامة البلاد وسعادة شعبها “.
غير أن المثال الساطع على الدور الذي تلعبه “البطاقة التموينية” في توزيع الغذاء وتوفيره وقت الأزمات قد جسده العراق بشكل كبير إبان الحصار الاقتصادي الذي فرض عليه لمدة 13 سنة بعيد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 661 الصادر بتاريخ 6 أغسطس/ 1990.
حيث كانت البطاقة التموينية تغطي حاجات السكان من السلع الضرورية وتمتاز بتنوع المفردات ، ووفرت أمنا غذائيا للشعب خلال محنته ، وهو ما دفع بجامعات أميركية وغيرها لدراسة تجربة البطاقة التموينية في العراق خلال فترة الحصار.
ذلك أن 90% من العائلات العراقية تعتمد على هذه البطاقة بشكل تام، ونسبة الـ10% الباقية تعتمد عليها بشكل جزئي.
ونظرا لنجاح هذه التجربة تلقى الدكتور محمد مهدي صالح وزير التجارة العراقي في زمن حكم صدام حسين دعوة للمشاركة في ندوة علمية عقدت في هولندا، تحت عنوان (الجوع في العالم.. وامكانية القضاء عليه) نظمتها الامم المتحدة وهيئات دولية متخصصة بالتعاون مع إحدى الجامعات الهولندية وحضرها 700 مشارك من العلماء والاقتصاديين والخبراء ومسؤولي منظمات الغذاء .. استمرت على مدى يومين، وكان السؤال المركزي الذي حيّر الجميع وطلب من الوزير مهدى صالح صاحب تجربة (البطاقة التموينية) أن يلقي حوله محاضرة هو : “كيف لبلد محاصر تماما، ومحظور عليه استيراد أي شيء من الخارج، وممنوع من تصدير نفطه الذي تشكل ايراداته عماد ميزانياته، ان يصمد ويتمكن على مدى 13 عاما من توفير سلة غذائية شهرية لكل مواطن عراقي تتألف من أكثر من 20 مادة ، مع توزيع أدوية أساسية، في ظل ظروف قاسية وتهديدات متصاعدة؟ ” .
ولذلك كان هذا الوزير الذي اعتقلته القوات الامريكية عند احتلالها للعراق لمدة عشر سنوات اكثر المسؤولين العراقيين المعتقلين إغاظة للمحققين الامريكيين الذين اتهموه بتدمير هيكلية الحصار وتفتيت العقوبات الدولية بـ(البطاقة التموينية) “حتى ان وفدا من الكونغرس الامريكي جاء الى بغداد خصيصا لمقابلته وأمضى معه خمس ساعات في معتقله، يستمع اعضاؤه الى حديثه عن تلك البطاقة التي دخلت التاريخ وقوضت مشاريعهم وهزمت مخططاتهم، وهم في دهشة واستغراب، وأحدهم صارحه بان الدوائر الامريكية اعتقدت ان ستة اشهر من الحصار كانت كفيلة بدحرجة الشعب العراقي الى مرحلة الاحتضار واسقاط النظام، لولا البطاقة التموينية التي خربّت (شغلنا) ” .
هنا أردت أن سوق هذه التجارب لكي أبين للجهاز الحكومي في بلادنا الذي وفر مبالغ طائلة وأعلن عن إنشاء صندوق خاص للتضامن الاجتماعي ومكافحة فيروس كورونا مفتوح أمام الجميع وتساهم فيه الدولة بمبلغ 25 مليار أوقية قديمة.. أن هذا الجهد المالي الذي وفرته الحكومة قد يؤ سس عليه بغية اعتماد نظام “البطاقة التموينية” الذي يضمن استفادة المستهلكين القصوى من الدعم الحكومي، وانعكاسه إيجابياً على قدرتهم الشرائية.
ومع ذلك فإن توفير كميات غذائية بأسعار زهيدة بداية كل شهر أساسية ، لأنها ستحمى الأسر من التفكك والتمزق في ظل ظروف اقتصادية تطحن المستهلكين .
خصوصا أن آلية توزيع السلع على البطاقة تضمن للمواطنين حصولهم عليها بيسر وسهولة ، حيث تحمل البطاقة التموينية اسم معيل الأسرة واسم المحلة وعدد أفراد العائلة واسم وكيل التوزيع .
وهذا يؤدي الى أن تطبيق منح المواد عبر البطاقة خطوة مهمة باتجاه ضبط الأسواق ومنع التلاعب والغش وضمان عدالة التوزيع ، ولتأكيد هذا الهدف ينبغي أن يوضع على السلع شعار خاص لمنع المتاجرة بالمواد الخاضعة لنظام البطاقة التموينية التي قد تتطور إلى أن يتم توزيع مفرداتها ٱليا عبر البطاقة الإلكترونية وهو ما يسد الباب أمام الفساد.
المصدر: الريادة