أخبار دوليةأخبار وطنيةتحليلات

أهم الاستراتيجيات المطلوبة في خطط التنمية المستدامة لإفريقيا

بيلاي بيجاشاو، مركز بروكنجز/ ترجمة : محمد الزواوي
المصدر: قراءات إفريقية

مع اكتمال الثُّلث الأول من جدول أعمال أجندة 2030م؛ حان الوقت لدراسة مدى التقدُّم الذي أحرزته القارة السمراء في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها لأنفسها حتى الآن؛ من أجل التقييم والتعرّف على التعديلات اللازمة للاستراتيجيات بهدف التغلب على العقبات الباقية.

إن أهداف التنمية المستدامة تقدِّم أهدافًا محددة يجب تحقيقها في نطاق زمني في أهم القطاعات الرئيسية؛ مثل الصحة، التعليم، العمالة، الطاقة، البنية التحتية، والبيئة، وذلك في جميع الدول.

ولا يوجد مكان آخر في العالم بحاجة إلى تحقيق تلك الأهداف أكثر من القارة السمراء؛ فبالرغم من أن تحقيق بعض التقدم في بعض المجالات والبلدان أمرٌ مشجّع بشكلٍ عام، إلا أن المنطقة بحاجة إلى مضاعفة جهودها إذا كانت ترغب في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030م.

ولكي تنجح الدول الإفريقية في ذلك؛ فهي بحاجة إلى إقامة شراكات فعَّالة ومنسَّقة من أجل إضفاء الطابع المحلي على أهداف التنمية المستدامة، أي: لتحقيق التحوّل الكامل في النظام البيئي إلى آليات للتخطيط والتنفيذ على الصعيدين الوطني والإقليمي، بالإضافة إلى تنفيذ أجندة الاتحاد الإفريقي لعام 2063، وسدّ الفجوات الكبيرة في التمويل وفي توفُّر البيانات.

وحتى الآن؛ فإنّ التقدُّم في تطبيق وتنفيذ تلك الاستراتيجية للتنمية المستدامة لم يكن متساويًا في جميع الدول، وكذلك فيما يتعلق بالأهداف؛ فطبقًا لمؤشر التنمية المستدامة في إفريقيا لعام 2019م؛ فإن أفضل الدول ترتيبًا هي موريشيوس، والتي حقَّقت ناتجًا متوسطًا بقيمة 66.19، بما يفيد أنها حققت فقط 66% من أهدافها، وهي في طريقها لإنجاز الناتج الأفضل الممكن عبر الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة.

وكان من بين الدول الأفضل أداءً: بوتسوانا وغانا ورواندا، ولكن 18 دولة (من إجمالي 46) في دول جنوب الصحراء كانت في المتوسط أقل من 50% من تحقيقها لأهداف الخطة فيما يتعلق بالنتائج الأفضل التي يمكن تحقيقها في تلك الفترة.

وفي المجمل فإنّ تلك الدول تُعدّ خارج مسار تحقيق الأهداف في معظم أنحاء خطة التنمية المستدامة، بما يؤكد على سرعة قيام تلك الدول مع شركائهم الدوليين بالعمل معًا لتسريع الأداء والتطبيق.

المكاسب في قطاعي الصحة والتعليم تُظهر نتائج واعدة:

جدير بالذكر أن معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة في إفريقيا (باستثناء شمال إفريقيا) انخفضت من 85 حالة وفاة لكل 1000 حالة في عام 2015م إلى 76 حالة وفاة لكل 1000 حالة في عام 2018م، وهي علامة مشجّعة، ولكن لا يزال ذلك يمثل ضعف المعدل العالمي البالغ 38 حالة.

تحسنت أيضًا حالات الوفيات أثناء الولادة من 29 لكل 1000 إلى 27 لكل 1000 خلال نفس الفترة. وقد قامت شمال إفريقيا بالفعل بتخفيض معدلات وفيات الأطفال دون سن الخامسة إلى أقل من 35 حالة وفاة لكل 1000 مولود بحلول عام 2015م، ومن المرجّح أن تحقق الهدف المتمثل في أقل من 25 حالة وفاة لكل 1000 مولود بحلول عام 2030م.

ومع استجابة مكثّفة وعاجلة، فإن المناطق الإفريقية الأخرى يمكنها تحقيق هذا الهدف عمليًّا. كما لا يزال تحقيق قفزة على نطاق واسع في مجالي الصحة والتعليم مصدر قلق، مع الوضع في الاعتبار أن معظم البلدان الإفريقية لم تقم بإجراء دراسات وطنية استقصائية عن الصحة الديموغرافية خلال فترة أهداف التنمية المستدامة.

وقد ارتفع معدل الالتحاق بالمدارس الابتدائية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى زيادةً طفيفةً من 77.4 في المائة في عام 2015م إلى 77.6 في المائة في عام 2017م. ويبلغ معدل الالتحاق بالمدارس الابتدائية في أكثر من نصف البلدان في إفريقيا أكثر من 90 في المائة، ومن المرجّح أن تحقّق تلك الدول هدف الوصول إلى 100 في المئة بحلول عام 2030م؛ إذا استمرت الجهود الحالية.

وعلى وجه الخصوص؛ من المتوقع أن تحقق دول شمال إفريقيا أهداف أجندة 2030م، كما أن المناطق الإفريقية الأخرى تقع ضمن النطاق. ومع ذلك، فقد انخفض صافي معدل الالتحاق بالتعليم الثانوي بشكل طفيف من 28.9 في عام 2015م إلى 28.3 في عام 2017م.

تحسين البنية التحتية وتقديم الخدمات:

لخدمة وإيواء سُكان إفريقيا من الشباب سريعي الزيادة -الذين من المتوقع أن يرتفع عددهم من 1.3 مليار اليوم إلى أكثر من 2.5 مليار بحلول عام 2030م-؛ يجب على الحكومات أن تقوم بتلبية سريعة لمتطلبات البنية التحتية والخدمات التي تمسّ الحاجة إليها.

وقد طرأت تحسينات في السنوات الأخيرة؛ على سبيل المثال، زادت القدرة على الوصول إلى مياه الشرب النظيفة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من 59 في المائة من السكان في عام 2015م إلى 61 في المائة في عام 2017م.

وارتفعت القدرة إلى الوصول إلى الكهرباء من 39.4 في المائة إلى 44.6 في المائة مقارنةً بنفس الفترة.

في الوقت نفسه، ستحتاج المناطق الحضرية الإفريقية إلى 565 مليون وحدة سكنية إضافية بين عامي 2015 و2030م لمواكبة النمو السكاني السريع وعملية التحوُّل من الريف إلى الحضر، بما يمثل حوالي 40 مليون منزل جديد سنويًّا في تلك الفترة.

استمرار الفقر والجوع، وتفاقم مشكلاتهما بسبب التغيُّر المناخي:

اعتبارًا من عام 2015م، كانت إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تحتل أعلى نسبة من فقراء العالم، حيث يعيش 41.3 في المائة من الناس تحت خط الفقر، وهو ما يُقدّر بنحو 600 مليون شخص لا يحصلون على الكهرباء، ويموت الملايين كل عام بسبب الأمراض التي يمكن الوقاية منها، كما يمثل النمو السكاني وتغيُّر المناخ القاسي تهديدين رئيسيين لاستمرار التقدم الاقتصادي.

وتحتاج إحدى وثلاثون دولة إفريقية إلى مساعدات غذائية، كما أن إفريقيا تمثل أكثر من 30 في المائة من السكان الذين يعانون من نقص الإمدادات الغذائية البالغ عددهم 830 مليون شخص حول العالم.

كما ارتفع معدل انتشار سوء التغذية من 234.6 مليون في عام 2016م إلى 256.1 مليون في عام 2018م.

وبالإضافة إلى ذلك، يتوقع الخبراء أن التغير في درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين مستقبلاً يمكن أن يسهم في فقدان المزارعين ما بين 40 إلى 80 في المائة من أراضي المحاصيل التي يزرع فيها الذرة الصفراء والبقول والذرة الرفيعة بحلول عام 2030 – 2040م.

أهم عوائق التقدُّم:

بالنظر إلى التعقيدات التي سبّبها النموّ السكاني والتغيُّر المناخي؛ يجب على الدول الإفريقية أن تصل إلى أهداف التنمية المستدامة بصورة عاجلة؛ حيث إنَّ الكثير من التحديات سيصعب التحكُّم فيها إذا ما تُرِكَتْ بدون علاج.

ولكن أحد أهم أسباب التفاؤل بشأن تقدُّم القارة هو أن أهداف التنمية المستدامة لإفريقيا تتماشى بالتوازي مع أجندة الاتحاد الإفريقي لعام 2063م، وهي الأهداف طويلة الأمد للتحول الاجتماعي والاقتصادي من أجل قارة مزدهرة، بل إنَّ البرنامجين الطموحين يتماشيان بالتوازي في أكثر من 85% من أهدافهما، وقد أبدت البلدان الإفريقية حماسًا كبيرًا ومساعي حميدة في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، حيث قام 90 في المائة من البلدان بتعميم أهداف التنمية المستدامة في خطط التنمية الوطنية الخاصة بها.

ولكن في الوقت نفسه، هناك العديد من الحلقات الضعيفة في أهداف التنمية المستدامة في انتظار معالجتها، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عدم وجود هيكل حوكمة عالمي.

وعلى الرغم من التقدم في عملية ابتكار البيانات المُضَمَّنة في صياغة أهداف التنمية المستدامة؛ إلا أن الفجوة في البيانات لا تزال واسعة، وتتجلى في سوء التخطيط، وبالتالي ضَعْف عملية صنع القرار والنتائج.

كما أنه لا توجد آلية محددة للإبلاغ عن الأخطاء أو فيما يتعلق بالمساءلة، كما لا يوجد وضوح في المسارات والتدخلات، ولا يوجد سوى القليل من الخبرة أو الممارسات القابلة للتطوير عندما يتعلق الأمر بالشمولية الاجتماعية. وفي الوقت ذاته لم يتم فعل الكثير فيما يتعلق بتغيير العقليات التي تقوم على المشروع؛ فنحن نواصل القيام بأشياء جديدة، ولكن بالطريقة القديمة ذاتها.

وكما كان الحال في العقود الماضية؛ يواصل أصحاب المصلحة الرئيسيين العمل في أبراج عاجية منعزلة، في تكرار لعمليات التدخلات التي تفتقر إلى التنسيق، ففي النهاية فإن العالم لم يتفق سوى على الأهداف والغايات، فيما ترك الحلول ليتم تطويرها محليًّا في أنحاء القارة.

هشاشة الدول وثغرات التمويل الكبيرة التي تعوق التقدم:

إن القارة السمراء تعاني من العديد من عوائق التقدم؛ حيث إنها تبدأ من نقطة انطلاق متدنية مقارنة بالقارات الأخرى، والتي تظهر في العديد من الأشكال؛ مثل: ضعف المؤسسات، وعدم الأمان الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، والتي لا تزال سائدة في أجزاء كثيرة من المنطقة؛ حيث إنَّ 80% من الدول الهشَّة موجودة في إفريقيا. وبالرغم من كونها واحدة من أسرع المناطق نُموًّا في العقود الأخيرة، إلا أن 40% من الدول الإفريقية لا تزال مصنَّفة على أنها من ذوات “الدخل المنخفض”؛ حيث يبلغ نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي أقل من 1025 دولارًا في السنة.

كما لا يزال التمويل يشكّل عائقًا أيضًا؛ ففجوة تمويل أهداف التنمية المستدامة كبيرة بالنسبة للبلدان المنخفضة الدخل، والتي تقدر في المتوسط ​​بما يزيد عن 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فمتطلبات الدخل الإضافي لدول جنوب الصحراء الإفريقية وحدها تُقدّر بـ24% من الناتج المحلي الإجمالي للقارة، ما يقرب من 420 مليار دولار.

كما تُشكّل فجوة التمويل هذه تحديًا كبيرًا للعديد من البلدان الإفريقية؛ لأنه اعتبارًا من عام 2018م، أصبحت أكثر من 20 دولة من أصل 54 دولة إفريقية تعاني من خطر شديد بسبب أزمة الديون.

وممَّا يُضاعف هذا التحدّي، هو أن المساعدة الإنمائية الرسمية، رغم ارتفاعها الإجمالي، في انخفاضٍ من حيث نصيب الفرد، كما أن الاستثمار الأجنبي المباشر قد تضاءل في السنوات الأخيرة. علاوةً على ذلك، بينما كان من المتوقع أن يأتي أكثر من ثلث التمويل المطلوب لأهداف التنمية المستدامة من القطاع الخاص، فإن المساهمات الفعلية من القطاع الخاص حتى الآن أصغر بكثير؛ حيث تتراوح من 4 إلى 8 في المائة فقط.

التطلُّع إلى الأمام: حان أوان العمل

للمُضِيّ قدمًا؛ يجب على القادة على جميع المستويات معالجة أهداف التنمية المستدامة بشكل مباشر بنهج شامل ومترابط لتحسين الموارد بفعالية. بما أن هذا النهج يسعى إلى تنسيق أفقي ورأسي رفيع المستوى؛ فإنه يتطلب خططَ عمل ثابتة ومؤطرة منطقيًّا لضمان التناسق، وبالتالي يجب أن تتجاوز عملية التوطين محليًّا مجرد إدماج أهداف التنمية المستدامة في الخطط الوطنية، بل يجب عليها الآن أن تسعى جاهدةً إلى صياغة كل من الهدف ومؤشراته تماشيًا مع الحقائق الاجتماعية والاقتصادية المحلية، كما يجب عكس اتجاه استراتيجيتنا من التخطيط الحالي إلى المستقبل إلى القيام بالبدء من التخطيط المستقبلي وصولاً إلى الحاضر، بصورة متتالية بدءًا من عام 2030م إلى يومنا هذا.

إن إفريقيا عازمة بقوة على أن تحصل على مستقبلها بأيديها، ومن ثم فإنها تنمو من مجرد تبنّي الأجندات إلى وضع الأجندات بنفسها، فأجندة 2063م هي واحدة من الآليات لفعل ذلك، وكذلك الحال بالنسبة لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، التي ستضم سوقًا يصل إلى 1.2 مليار شخص بإجمالي ناتج محلي يبلغ أكثر من 3.4 تريليون دولار، مما سيوفر فرصًا جديدة لإفريقيا وشركائها التجاريين.

بالإضافة إلى ذلك؛ تشرع العديد من البلدان الإفريقية في تنفيذ خطط تنمية طموحة تقود إلى اعتماد التقنيات ومصادر الطاقة الجديدة. كما أن البلدان تُظهر أيضًا شهية أكبر للحصول على تكنولوجيا المعلومات والمعرفة، في حين ينبغي أن تظل إفريقيا ملتزمة بالعمل مع شركائها في التنمية خلال العقد المقبل وما بعده، فإن تحقيق أهداف التنمية المستدامة يجب أن تكون في المقام الأول مسؤوليتها الخاصة.

مقالات ذات صلة

اترك ردا

زر الذهاب إلى الأعلى