شركة النقل العمومي … أربع سنوات من الظلم

عمال يتظاهرون وبرلمانيون يساندون .. إدارة تتعنت وقضاء تعطل أحكامه..غياب شبه مطبق لفعل نقابي مساند وحكومة تعد بحل المشكل دون أن تتقدم خطوة نحو الحل المنشود .. تلك قصة عمرها أكثر من أربع سنوات، ضحاياها ثلاثة عشر، عاملا وساحتها شركة النقل العمومي ..
تيرس ميديا ووكالة صحفي للأنباء والاقتصادي الموريتاني تسبر أغوار القصة، حسب مايرويه العمال، الذين يرون أن ظلما بينا مورس في حقهم، وبما أن جق الرد مكفول، فالباب مفتوح للطرف الآخر.
بداية القصة
حين تستمع إلى قصة معاناة هؤلاء العمال يشدك شيء ما للتضامن معهم، وحين تدس أنفك في أدغال ملفهم المعقد تشم رائحة الظلم.. إنهم عمال شركة النقل العمومي المفصولون من العمل منذ أربع سنوات.
في الحادي عشر من شهر نوفمبر سنة 2010 أسست الدولة الموريتانية شركة للنقل العمومي، زعمت أنها تهدف من إنشائها إلى حل أو التخفيف من مشاكل النقل، ثم المساهمة في امتصاص بطالة الشباب.. هكذا بدأت الحكاية، ونترك سرد بقية القصة لسيدي محمد ولد محمد الشيخ أحد العمال المفصولين:
فعلا أنشأت الدولة هذه الشركة في التاريخ المبين أعلاه، بهدف امتصاص بطالة الشباب، وقد بدأت العملية باكتتاب مائة وستين من حملة الشهادات، مائة (100) منهم يحملون شهادة الباكلوريا تم اختيارهم محصلين، وعشرون (20) من حملة شهادة السلك الجامعي الأول، تم اختيارهم منظمين لعمل السائقين وأربعون (40 ) من حملة المتريز، اكتتبوا مراقبين لحفظ وصيانة مداخيل الشركة.
وبعد اختيار هؤلاء المترشحين من خلال فرز، تمت مقابلة كل مترشح شفهيا، ثم وقع معهم عقد مفتوح وعملوا بموجبه أربع سنوات.
لقد تعاقب على إدارة الشركة خلال فترة عملنا فيها – يقول السيد محمد ولد محمد الشيخ- ثلاثة مديرين أولهم قضى عدة شهور، ثم عين مدير آخر لسنوات عديدة.
وفي سنة 2015 عينت السيدة مريم منت المفيد مديرة عامة للشركة التي كانت يومئذ تعاني نقصا في الحافلات وتحتاج الدعم؛ فقررت الحكومة تخويل المديرة الجديدة تصحيح وضع الشركة بالطريقة التي تراها مناسبة.
قامت المديرة بدراسة وضع الشركة لفترة ستة شهور، ثم قررت نتيجة لتلك الدراسة ما يسمى ب “المخطط الاجتماعي” ، الذي يقتضي التسريح الاقتصادي للعمال “بلان سوسيال ”
وقالت لنا الشركة حينها عن طريق المناديب إنها ستراعي في هذا التسريح الأقدمية والأعباء العائلية والكفاءة.
طلبت المديرة من جميع العمال أوراقهم الثبوتية، من الشهادات التي اكتتبوا على أساسها، لحالاتهم المدنية، للوثائق العائلية…
فصل تعسفي وأحكام قضائية معطلة
اكتملت ملفات العمال عند إدارة الأشخاص، و كنا جميعا مطمئنين بأن العملية ستتم عبر مسطرة قانونية شفافة، غير أنه لما بدأ التنفيذ اتضح لنا أن الفعل لن يصدق القول، وأن الموضوع يسير في اتجاه معاكس للعدالة، حيث ظهر أن أعوان المديرة ومندوبي العمال لديهم عمال لا تتوفر فيهم شروط الاستثناء من التسريح الاقتصادي، لكنهم حريصون على بقائهم في الشركة .
انتهز أعوان المديرة ومندوبو العمال الفرصة، وهمشوا المديرة التي لم تكن تملك تجربة طويلة في العمل، وقاموا بتسيير الملف بحسب رغباتهم ومآربهم.
أقنعوا المديرة بأنهم سيطلبون من الوزارة تقويم أداء السائقين، بعد سنوات من الخدمة والأداء الجيد – وهي مسألة غريبة ومكشوفة – وبأنهم سيكلون مهمة تقويم أداء المحصلين للمنظمين.. وهكذا وجدوا لكل تصرف مخالف للقانون نافذة يمر عن طريقها.
لقد كان الهدف واضحا – وقد تحقق – وهو سحب البساط من تحت قدمي المديرة، والتحكم في الشركة، وتسيير الملف حسب أجنداتهم التي رسموا، مما ضمن لهم الإبقاء على ناسهم رغم أن المعايير لا تتوفر فيهم.
وقد استقال رئيس مصلحة الأشخاص، بعد أن أزعجته التدخلات التي تطالب بالإبقاء على فلان لأن المسؤول “س” تدخل لصالحه، والإبقاء على فلان لقرابته من “ص” ؛ فلما اتضح له أن الملف يسير في اتجاه غير عادل استقال ليريح ضميره، ولكي لايكون شاهدا على الظلم، أو شريكا فيه.
لانكن العداوة لأي كان ولن نتنازل عن حقوقنا و نستنجد برئيس الجمهورية لإنصافنا
يقول سيد محمد ولد ولد محمد الشيخ أحد العمال المفصولين:
نؤكد للجميع أننا لا نكن العداوة لأي كان، وإنما نريد من دولتنا المسؤولة عن مصالحنا وحمايتنا أن تعيد لنا حقوقنا كاملة غير منقوصة، وترفع عنا الظلم، من خلال تطبيق القانون الذي نستند إليه، باعتبار أقدميتنا، وما نتحمل من أعباء عائلية.. هذه الشروط تعطينا حق البقاء في عملنا، والمحكمة حكمت بأن فصلنا غير شرعي وبموجب كل ذلك نرفض هذا الفصل التعسفي ونصر على العودة إلى عملنا الذي لا نملك بديلا عنه.
من الواضح أن المديرة ترفض عودتنا، مع ما تعانيه المؤسسة من نقص في العمال، ومع عدم شرعية فصلنا. وبرهان ذلك أنها اعتمدت خطة تكليف السائقين بالتحصيل، كي تقطع الطريق أمام عودة المحصلين، وذلك من خلال قياس سائق الحافلة على سائق التاكسي الذي يجمع بين السياقة والتحصيل، والهدف من وراء ذلك هو تسريح حملة الشهادات ورميهم في متاهات البطالة.
ويتضح إصرار المديرة على عدم عودتنا في رفضها المطلق لكل محاولات التفاهم الودي معنا ، حيث تقول دائما لكل من يتصل بها لفتح باب المفاوضات: أنا مستعدة لاكتتاب أي شخص لم يسبق له أن عمل في المؤسسة، وتكرر لأي شخصية وطنية تحاول التدخل لحلحلة الملف : ” القانون هو الحكم بيني مع تلك المجموعة ” ، وهي كلمة حق أريد بها باطل.
وهكذا أصبح القانون مرتهنا بيد المديرة، التي تتحكم في القضاء بمجرد اتصال هاتفي، وهي مسألة نأسف لها .
إننا من هذا المنبر نستنجد برئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، ونطلب منه ونطلب منه ومن حكومته الخيرة رفع الظلم عنا، من خلال تطبيق الحكم الذي صدر لصالحنا من المحكمة، هذا الحكم الذي أكدته مفتشية الشغل.
هذه رسالتنا لكل من ينحاز للعدل .. نريد تطبيق الحكم الذي صدر من المحكمة لصالحنا ، نريد حقنا ورفع الظلم عنا ،فالظلم ظلمات يوم القيامة، ولن نتنازل.. وما ضاع حق وراءه طالب.
نموذج من تظلمات العمال المفصولين:
ضمن رسائل التظلم التي دأب عمال شركة النقل العمومي المفصولون تعسفا وظلما يقدمون للرأي العام ويشرحون قضيتهم من خلالها نقدم النموذج التالي:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على أشرف الانبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
هذه يوميات توضح الأضرار التي لحقت بأسر العمال تعسفيا منذ 48 شهرا:
بما أننا في هذه الأيام التي تشهد تداعيات فيروس كوفيد 19 حفظ الله وطننا من كل وباء وسوء ورفعه عن كافة شعوب الأرض، وبعد ما شهدنا من استعداد حكومتنا لمكافة الفساد بكل أشكاله ؛ فإننا بقينا متمسكين بحقوقنا راجين إحقاق الحق، وقد مرت كل هذه الفترة (48شهرا) دون أي بارقة أمل توذن بإنصافنا من ظلم مديرة شركة STP إننا نعيش ظروفا صعبة لا يمكن تحملها وأمام واقع لا يمكننا السكوت عليه، لذا نطالب الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني وكافة أعضاء حكومته الموقرين وكل النبلاء في الوطن أن يرفعوا عنا الظلم الذي تعرضنا له من طرف نظام السيد محمد ولد عبد العزيز، الذي وضح تصريحه أمام وسائل الاعلام في مركز الحالة المدنية بتفرغ زينه أنه يؤيد ما قامت به مديرة شركة النقل العمومي من اختراق القوانين المنظمة للتسريح الاقتصادي التطوعي للعمال، فالرافضون للفصل التعسفي شكوا ما مسهم من ضر الى الله عز وجل، ثم قاموا بالإجراءات القانونية، واستدلوا بالأقدمية التي تثبتها عقودهم المفتوحة بتاريخ 27/11/2010 والأعباء الأسرية توضح ذلك على سبيل المثال أرقامهم الوطنية في وثائق الحالة المدنية:
3612624836
7730876430
8174301939
3752507178
2829440725
ثم القدرة على أداء العمل، ويثبتها الملف الطبي لكل منهم، لأنهم تابعون لطب الشغل
الحجة حق ثابت لصاحبها الذي حصل عليها عن طريق قرعة سنة 2015
أما الاستهداف فنحن كلنا ضحاياه والمحصل رقم 37 والسائق رقم 86 دليلان عليه
كما أن مفتشية الشغل أكدت لظلم والتعسف الذين سادا عملية التسريح، وجاء حكم المحكمة دليلا واضحا على ذلك
ومما يثبت مساندة الوزير الأول السابق السيد يحي ولد حد أمين لمن ظلمنا تصريحه في زيارته لمقطع لحجار و بحضور الطاقم المرافق له، كما أنه يعتبر تسريح الشباب من STP انتقاما من خصومه أيام كان وزيرا للتجهيز والنقل وسياسة، حيث قام بتعيين وزير على هذه الوزارة على ما أعتقد أنه محمد سالم ولد عبد الرؤوف لينفذ له ما يريد من تشريد لأبناء الفقراء 23/9/2016 وعندما أنجز به العملية حوله مديرا فأصبحت هذه المديرة بحكم مساندة هؤلاء لها لا تخضع للقانون ولا لأوامر الوزراء بل هم عندها “ريحت حجر”كما يقول التعبير الحساني ” وواصلت من حينها اكتتاب أقاربها وأقارب النافذين في تلك الفترة ٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
ورغم هذا كله مايزال لسان حال هؤلاء العمال المفصولين تعسفيا يقول:
على ثقة بوعد الله عشنا بلا يأس ومازلنا نعيش
و نحمل هموم هذه الأسر التي تعاني الأمرين والله أعلم بحال أطفالهم وأنتم أيها المسلمين شهداء الله في أرضه ومن لا يرحم لايرحم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

برلمانيون دعموا عمال الشركة المفصولين
توضح رسائل ووثائق التظلم التي شرح من خلالها هؤلاء العمال للرأي العام الوطني قضيتهم أن عدة برلمانيين وقفوا معهم؛ حيث نظمت لهم النائبة السابقة المعلومه منت بلال لقاء مع الوزيرين السابقين سيدنا عالي ولد محمد خونه وزير الوظيفة العمومية والشغل ومحمد عبد الله ولد اداعه وزير التجهيز والنقل، كما عمل النائب الخليل النحوي على ترتيب لقاء بين هؤلاء العمال والوزيرة السابقة آمال منت مولود، أما النائب محمد الامين ولد سيدي مولود. فقد طرح قضيتهم عدة مرات في البرلمان، كما تبناها البرلماني محمد بوي ولد الشيخ محمد فاضل، حيث نظم لهم لقاء مع وزير النقل الحالي السيد محمد ولد امحيميد الذي التزم بتسوية القضية
ورغم كل ذلك يقول أحد نشطاء هؤلاء العمال: لم يتحقق شيء في الموضوع، لأن قضيتنا تقف دون تسويتها إدارة شركة النقل العمومي، التي ترتبط بعلاقات خاصة مع أحد أعضاء الحكومة الحالية. ومستشارو وزارة النقل هم الذين كانوا يمسكون بملفنا، ويصرون على عدم تسويته ، لكننا لن نتنازل وما ضاع حق وراءه طالب.
شهادة أحد العمال المفصولين من خلال رسالة صوتية نحتفظ بها
منذ فصلنا في عهد النظام السابق ونحن نطرق كل الأبواب التي تستطيع رفع الظلم عنا، لكننا لم نجد أي تجاوب ، وقد قمنا بالكثير من الوقفات الاحتجاجية السلمية ،ونطالب الحكم الحالي بإنصافنا، ولن نتنازل عن حقوقنا.
شهادة أخرى…إبراهيم ولد مسعود أحد المفصولين من الشركة:
اسمي لم يكن في اللائحة النهائية، وأضيف مكاني أحد العمال الآخرين تحت الرقم 274 رغم أن رقمه الحقيقي هو 262، كما أن السائق (س. ب) تم إسقاطه من اللائحة النهائية، ليوضع مكانه عامل آخر.
كل ذلك ينضاف إلى ذلك انتزاع حجة من العامل عبدي ولد محمد وإعطائها لعامل آخر.
موقف النقابات: شهادة من أحد العمال المفصولين
يقول أحد نشطاء العمال المفصولين عن موقف النقابات من هذا الملف:
لم نتصل بالنقابات، لأننا جربنا عدم فعالية مندوبيها وعجزهم الدائم عن الدفاع عن العمال، لذلك اخترنا الدفاع عن أنفسنا ، ومع ذلك فإن زميلة لنا يشملها هذا الملف اتصلت برئيس الكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا، فآزرتها النقابة المذكورة، ورافقها أمينها العام عبدالله ولد محمد الملقب النهاه لمفتشية الشغل، حتى أحيل محضرها للعدالة، وبالفعل حكم لتلك السيدة بملغ مالي، وبعد الاستئناف تم تأكيد الحكم لكن التنفيذ لم يتحقق.
شهادة الأمين العام للكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا عبد الله ولد محمد الملقب النهاه
هؤلاء العمال المفصولون من شركة يتبعون لمركزيات أخرى ولا ينتمون لنقابتنا، ولم يتصل منهم بنا غير سيدة واحدة تضامنا معها، وآزرناها قضائيا كما آزرناها لدى مفتشية الشغل التي ساعدتها في إحالة ملفها للقضاء، وما مورس في حقهم فيه الكثير من التجاوزات. لقد استمعنا لحجة مديرة الشركة التي فصلت هؤلاء العمال لكنها حجج واهية ولا تستند إلى أي أسس قانونية أو أخلاقية.. ندعم هؤلاء العمال ونتعاطف معهم، لكنهم لم يتصلوا بنا، وليس من الأخلاقي الدخول في قضيتهم وهم ينتمون لجهاز نقابي آخر مالم يطلبوا هم ذلك، وفي أي لحظة اتصلوا بنا سيجدون الدعم المناسب منا.
مطالب العمال المفصولين كما يرويها أحد الناشطين المفصولين مولاي إبراهيم ولد محمد
مطالبنا تتلخص في العودة إلى عملنا – الذي فصلنا منه ظلما – وبالعقود التي وقعناها مع الشركة عند اكتتابنا، كما نطالب بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي تعرضنا لها منذ مايزيد على أربع سنوات.
أعد التحقيق:
محمد الأمجد محمد الأمين السالم- تيرس مديا
سيد أحمد ولد مولو د – وكالة صحفي للأنباء
محمد الكبير ولد السيد – الاقتصادي الموريتاني