دور الدول العربية في حرب المعادن/ المهندس أحمد ولد الطالب محمد
تتسابق الدول العظمى في صمت مريب نحو إمداد صناعاتها ببعض المعادن النادرة والحاسمة في نموّها الصناعي.
وتعدّ المعادن النادرة أو “الحاسمة” مواد حيوية للصناعة أو مواد قد يكون إمدادها معرّضًا للخطر بسبب الندرة الجيولوجية أو بسبب أمور جيوسياسية.
إن المعادن “الحرجة” والإستراتيجية ضرورية للأمن الاقتصادي والوطني للدول الصناعية والنامية على حدّ سواء، فهي حاسمة في التصنيع وسلسلة التوريد الزراعية، والتقنيات الحديثة بمجموعة متنوعة من الصناعات، بما في ذلك الاتصالات السلكية واللاسلكية، والدفاع الوطني، والطاقة التقليدية والمتجددة.
لقد بدأت هذه الحرب بالفعل منذ ما يقارب العشر سنين، وقد سبّبت فيما سبق توترًا بين بعض الدول العظمى، على شكل حرب خفية، تستخدم فيها الغواصات أكثر من الطائرات، إذ لا يرى المشاهد فصولها وتبقى في الباطن.
أجل ليست تلك المعركة بالمعنى العسكري للكلمة، لكنها حرب اقتصادية ضارية، تحاول كل دولة تأمين حاجياتها.
تتصدّر الصين المشهد بعد أن أمّنت معظم المعادن التي تحتاجها، و هو ما سيسمح لها حتمًا بتطوير تقنيات المستقبل على حساب الدول الغربية، التي لا تسطيع بناء التكنولوجيا الخاصة بها بسبب نقص المواد الخام.
حرب المعادن
السؤال الذي يتردد كثيرًا في النقاشات، هل الحرب الاقتصادية التي تحرّكها مسألة السيطرة على المعادن الإستراتيجية يمكن أن تتحول إلى حرب عسكرية؟
فلو رجعنا قرنًا إلى الوراء مع بداية إنتاج النفط، يمكن أن نجد الجواب على السؤال.
نموّ احتياجاتنا ووصول هذه المواد إلى مرحلة الندرة، سيفرض على الدول تأمين إمداداتها و قد لا يكون ذلك دون صراعات للوصول إلى المكامن المنجمية
لم يكن أحد يتخيل أن تحدث حرب على ذلك السائل “الوسخ” الذي كان ينبع بكثرة من الآبار المنتشرة بوفرة في العالم، إلّا أن القرن العشرين كان مليئًا بالأمثلة على حروب كانت من أجل النفط.
إن التاريخ قد يعيد نفسه بعد 100 عام بسيناريو مماثل مع مواد خام مختلفة، فنمو احتياجاتنا ووصول هذه المواد إلى مرحلة الندرة، سيفرض على الدول تأمين إمداداتها، وقد لا يكون ذلك دون صراعات للوصول إلى المكامن المنجمية.
وقد لا يكون مخطئًا من يصف المعادن النادرة بـ “النفط القادم”، أي نفط القرن الحادي والعشرين.
إن قرارات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة المتعلقة بتدوير المعادن “النادرة”، وتقليل الاعتماد على الصين، وكذلك إعلان الصين سنة 2016 إنشاء مخزون تجاري وطني من هذه المواد، وقبل ذلك خفض الصين صادراتها من التربة النادرة في عام 2010، هي ترجمة للمواجهة الدائرة بين هذه القوى وفصول من الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
لقد بدأت هذه المواضيع تحتلّ حيزًا مهمًا من سياسات الغرب لاعتمادها على الصين، خاصة فيما يتعلق بالتربة النادرة التي تتصدّر الإنتاج العالمي مع بعض المعادن الأخرى، بما فيها تلك التي تُستخدم في التقنيات العسكرية.
حرب معقّدة وحاسمة!
عندما طلب الرئيس الأميركي جو بايدن مراجعة شاملة لسلاسل توريد التربة النادرة خلال أول 100 يوم له في منصبه، كانت تلك إشارة واضحة إلى مكانة هذه المسألة من الناحية الإستراتيجية.
وكان قرار المفوضية الأوروبية المتَّخذ في شهر مايو/أيار من هذه السنة لضرورة تأمين أوروبا إمداداتها من التربة النادرة من مصادر مختلفة، تأكيدًا على ذلك.
لكن الاستقلال عن الصين ليس بالأمر الهين، بل هو أمر معقّد للغاية.
فعلى سبيل المثال، أعاد الأميركيون فتح منجم للتربة النادرة بولاية كاليفورنيا، ولكن كان لزامًا إرسال الصخور إلى الصين لمعالجتها، وفصل العناصر الكيماوية للتربة النادرة (تكنولوجيا متوفرة حصريًا في الصين).
مشروعات أفريقيا دور العرب
من جهة أخرى، تتعثر مشروعات عدّة لإنتاج التربة النادرة في العالم، وخير مثال على ذلك توقيف المنجم الوحيد الذي ينتج التربة السوداء بالقارّة الأفريقية، وهو منجم بجمهورية بوروندي الذي تسعى الدولة لزيادة حصتها منه، وهو ما زال موقوفًا عن التشغيل وقت كتابة هذه السطور.
هل السيطرة على المعادن “النادرة” أو الأساسية هي بتلك الأهمية؟
توصف التربة النادرة بـ “فيتامينات الكيمياء”، إذ يكون لإنتاج بسيط على شكل جرعات صغيرة منها تأثيرات مفيدة ومهمة، فنسبة قليلة من عنصر السيريوم، وقليلًا من النيوديميوم تجعل شاشات التلفاز أكثر بريقًا، وتجعل البطاريات تدوم لفترة أطول، و تجعل من المغناطيس الذي يدخل في الكثير من الصناعات أكثر قوة وفاعلية.
فإذا أوقفت الصين فجأة تصدير هذه المواد، فسيكون الأمر أشبه بالرجوع إلى الوراء بضعة عقود، والتخلي عن هواتف iPhone الحديثة، واستبدالها بهواتف نوكيا القديمة.
فهل تأهّبت البلدان العربية التي توجد بها موارد من هذه المعادن للعب دور إستراتيجي بفضل معادنها “الإستراتيجية”؟
نقلا عن موقع الطاقة