ثروات موريتانيا الضائعة (2) / د.محمد الأمين شريف أحمد
الكثيرون على دراية بالمنهوب من الأموال و المسروق و المتحايل عليه، ولعل هيئات التفتيش بأنواعها جميعا، هي المخولة في البحث و التدقيق في طريقة تسير أموال الشعب، و تقاريرها تعد مرجعية في هذا الموضوع.
لكن سنتناول موضوع ثروات بلادنا الضائعة من باب المضيٌع منها، بغياب الهدف المنشود، و عدم تقييم المنهجية المتبعة، وضعف الرقابة، و بسوء التنظيم و بالإفراط في الاستهلاك، و بعدم تعظيم المنتوج المعد للتصدير، و الضائع من الثروات في إبرام الصفقات و تسريح الكفاءات و عدم الاستفادة من المواهب الوطنية في شتى المجالات …
ضياع ثروتنا، لم يقتصر على حقبة معينة ولا نظام محدد ( كما تمت الإشارة إلى ذلك في الحلقة الأولى )، بقدر ما هو تراكم أنظمة متعاقبة على الحكم ورثته لنظامنا الحالي.
أولا/ غياب الهدف والرقابة والتقيم:
يعد غياب الهدف المنشود هو التيه و الضياع، لأن الموارد و الأموال ( رواتب، علاوات، معدات، مكاتب، فواتير الماء الكهرباء… و الكثير من النفقات ) تصرف في حلقة مفرغة من الروتين الإداري دون الوصول إلى هدف محدد، و الضحية دائما رواد المرفق العمومي من المواطنين، الذين يفترض أن يكون هدف هذا المرفق وصول هاؤلاء المواطنين إلى مطالبهم بأقل تكلفة و توفير الوقت عليهم و العناء. أموال طائلة تنفق على المرافق الادارية و المؤسسات العمومية من أجل الوصول إلى الخدمات الضرورية من تعليم و صحة و أمن و سكن لائق و توفير الماء و الكهرباء و السلع الإستهلاكية الضرورية و من أجل تنفيذ الأشغال المتعلقة بالبنى التحتية… غير أن الضائع من هذه الأموال كثير و كثير، و ماهو مقدم من خدمات طابعها دائما الضعف و ضياع المواطن، لأن القائم على المرفق العمومي لم يحدد هدفا و لم يضع خطة، و سلك سياسات يطبعها الإرتجال و الارتباك، في كثير من الأحيان، ويعود التمادي في هذا النوع من التسيير إلى ضعف الرقابة وغياب التقييم المستمر للوقوف على مكامن الخلل و تصحيحها.
نشير إلى وجود وعي كبير لرئيس الجمهورية، بأهمية تقريب الإدارة من المواطن، و ما إجراء فتح شبابيك خدماتي في عدة قطاعات وزارية، إلا دليل على ذلك، إلا أن الكثير من هذه الشبابيك حاد عن الهدف المرسوم له و زاد من معاناة المواطنين و رفع فاتورة الإنفاق العمومي، لأن جل القائمين على تسيير هذه القطاعات لم يدركوا الهدف من فتح شبابيك خدماتي، فأقاموا الشكل و تركوا الهدف.
كما أننا نسجل وجود نزر يسيير من الاداريين الناجحين، و الذين بفضل وضعهم إستراتجيات توصل لأهداف معينة، و بالسهر على التنفيذ إستطاعوا الوصول لنجاحات مهمة، غير أن السواد الأعظم من الاداريين، يتيه دون أن يحدد هدف لعمله، و دون رقيب على مرفقه، فيظل يضيًع الأموال و يعظم النفقات دون مقابل يستحق كل هذه الكلفة الباهظة، و التي هي من أموال الشعب.
لتدارك هذا الوضع، و ترشيد أموال الشعب يجب القيام بخطوات عاجلة و أخرى على المدى المتوسط و المدى البعيد.
من الخطوات العاجلة:
* إعتماد استراتجية للتفتيش والرقابة والتقييم تستهدف جميع المرافق العمومية، و إعتماد ما َستُرتًب هذه التقارير؛
* و ضع أهداف و خطط لكل مرفق عمومي واضحة، لا يمكن للإداري أن يحيد عن المخطط المرسوم إلى أن يصل للهدف المنشود؛
* إشراف رئيس الجمهورية شخصيا على المرافق العمومية التي يعهد لها بالقيام مشاريع ذات تمويلات ضخمة، و التي تقوم بتوفير الخدمات الأساسية ( التعليم، الصحة ، الأمن الماء ، الكهرباء، مراقبة مستوى أسعار المواد الغذائية الضرورية مشاريع البنى التحتية الكبرى،… وكل ما هو على هذه الشاكلة.)، ويكون السيد الرئيس في الصورة بمتابعة التفاصيل على الشاشة في مكتبه، و الزيارات المفاجئة للميدان، و يقوم بالتقييم و يُنزل العقوبة بمن قصًر وتهاون، و يكافىء من ضحى و نجح. وفي ذات الوقت يتولى الوزير الأول متابعة المرافق العمومية التي تلي المرافق العمومية التي أشرف عليها رئيس الجمهورية في الأهمية، و يقوم الوزير بمراقبة و تقييم المرافق العمومية التي تناسب اختصاصه، وهكذا كل مسؤول يقوم بالرقابة و التقييم المطلوب لتحقيق الهدف المثبت للمرفق العمومي التابع له.
من الخطوات المطلوبة على المدى المتوسط و المدى البعيد:
* فصل الوظائف الإدارية عن الوظائف السياسة و دسترة هذه الخطوة، لتكون مادة في الدستور محصًنة؛
* إعداد دليل تسيير لكل مرفق عمومي، يوضح المنهج المطلوب ويقود إلى الهدف المحدد؛
* إنشاء هيئة عليا هدفها الرقابة و التأكد من أن كل مرفق يقوم بعمله، و يعد تقارير فصلية عن مدى تقدم العمل و طبيعة تعامل المرفق مع المواطنين ( من أجل أن لا يكون المواطن متروك لمزاج القائمين على المرفق العمومي )، تقدم هذه التقارير لرئيس الجمهورية و الوزير الأول و هيئات التفتيش؛
* الاستفادة من البرامج المعلوماتية في تقديم الخدمة العمومية، و ترشيد النفقات؛
* الاستفادة من التجارب الناجحة، و أعتمادها.
بهذه الخطوات و ما يدور في فلكها من إجراءات علمية ، سنتمكن من تحرير إدارتنا من الروتين المميت وستكون في خدمة المواطن، و سنعيد الكثير من الثروة الضائعة، إلى خزينتنا العامة، و سنوفر الكثير من الوقت المهدور و نحفظ للمواطن كرامته.
ستكون لنا بحول الله عودة إلى باقي عناصر ضياع ثروتنا كل عنصر سيتم تناوله بشيئ من التحليل و الوقوف على ما يتم من هدر للثروة بسببه، و المساهمة في وضع تصور للحلول.
نسأل الله التوفيق و السداد.