هل تتحولSWIFT إلى حصان طروادة أمريكي؟/ محمد السالك ولد إبراهيم
ما مستقبل منظومة Swift Transfer أو شيفرة التحويل الدولي للأموال في ظل التهديدات الغربية بتوسيع العقوبات المالية على روسيا إثر تدخلها العسكري في أوكرانيا؟ وما عواقب حرمان روسيا من الإستفادة من التسهيلات والخدمات المالية الأساسية التي توفرها “جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك” المعروفة اختصارا ب SWIFT؟ ما علاقة الحكومات ب SWIFT؟ و هل حقا يمكن اعتبار خدمة SWIFT بمثابة سلاح نووي مالي؟ وإن صح ذلك؟ فبماذا يتوقع أن ترد روسيا سيبرانيا على سلاحSWIFT؟
لكن دعونا أولا نتعرف على ما هي SWIFT وما أهميتها؟ وكيف تعمل؟
تعني عبارة اسويفت SWIFT اختصارا بالانجليزية Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunication وهي جمعية تعاونية بلجيكية تأسست سنة 1973، تعمل كوسيط ومنفذ للمعاملات المالية بين البنوك في جميع أنحاء العالم. كما تبيع البرامج والتطبيقات المتخصصة والخدمات المرتبطة بمجال عملها للمؤسسات المالية لاستخدامها على شبكتها الرقمية المشفرة “SWIFTNet” ، وكذا تأمين استخدام رموز معرف الأعمال ISO 9362 (BICs) ، والمعروفة باسم Swift Transfer أو رمز التحويل الدولي للأموال.
تتمثل الميزة الإستراتيجية الرئيسية لخدمة SWIFT من حيث الأمان والسرعة لإجراء المعاملات المالية، في استبدالها آلية التداول التقليدية أي تحويل الأموال عبر المقاصة، بآلية ألكترونية معتمدة عالميا ألا وهي إرسال “أوامر الدفع” payment orders والتي يجب تسويتها عن طريق حسابات المراسلة الألكترونية التي تمتلكها المؤسسات المالية مع بعضها البعض بينما تقوم SWIFT بنقل الرسائل المالية الألكترونية المشفرة بطريقة آمنة وسريعة جدا..
ويكفي لإبراز أهمية وشمولية خدمات اسويفت عالميا ذكر أنه اعتبارًا من عام 2018 ، استخدم حوالي نصف جميع المدفوعات عالية القيمة عبر الحدود في جميع أنحاء العالم شبكة SWIFT التي ربطت بين أكثر من 11 ألف مؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة وإقليم من خلال تبادل أكثر من 32 مليون رسالة مالية مشفرة (كود) يوميا.
كما أدخلت اسويفت مؤخرا خدمة محسّنة تسمى ” نظام المدفوعات الإبتكاري العالمي” (GPI) Global Payments Innovation ، مؤكدة بأن 165 بنكًا قد تبناها وأنها كانت تكمل معاملاتها ومدفوعاتها في غضون 30 دقيقة.
بصفتها جمعية تعاونية بموجب القانون البلجيكي ، فإن SWIFT مملوكة للمؤسسات المالية الأعضاء المساهمين فيها. ويقع مقرها الرئيسي في لا هولب La Hulpe قرب بروكسل. وهي تعتمد في أنشطتها على أكثر من ثلاثة آلاف عامل، وتحقق مداخيل سنوية بلغت في السنة الماضية حوالي 700 مليون دولار.
المشكلة هي أنه بعد أحداث الحادي عشر سبتمبر 2001، سرعان ما تعرضت SWIFT للضغط والإبتزاز خاصة من طرف الحكومة الأمريكية من أجل المساومة على خصوصية بيانات عملائها بغية السماح للحكومات بالوصول إلى المعلومات الشخصية الحساسة تحت ذريعة مكافحة الإرهاب. وفي سبتمبر 2006 ، أعلنت الحكومة البلجيكية أن تعاملات سويفت هذه مع السلطات الحكومية الأمريكية كانت انتهاكًا لقوانين الخصوصية البلجيكية والأوروبية.
بعد ذلك، تفاوض الاتحاد الأوروبي على اتفاقية مع حكومة الولايات المتحدة للسماح بنقل معلومات معاملات SWIFT داخل الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة في ظل ظروف معينة. بسبب المخاوف بشأن محتوياتها المحتملة. وقد اعتمد البرلمان الأوروبي بيان موقف في سبتمبر 2009 ، يطالب برؤية النص الكامل للاتفاقية ويطلب أن يكون متوافقًا تمامًا مع تشريعات الخصوصية في الاتحاد الأوروبي، مع ضرورة وضع آليات الرقابة لضمان أن جميع طلبات البيانات تم التعامل معها بشكل مناسب للقوانين الأوروبية.
وقد جرى التوقيع على اتفاقية مؤقتة دون موافقة البرلمان الأوروبي من قبل المجلس الأوروبي قبل يوم واحد فقط من دخول معاهدة لشبونة التي كانت ستحظر توقيع مثل هذه الاتفاقية.
في 11 فبراير 2010 ، قرر البرلمان الأوروبي رفض الاتفاقية المؤقتة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بأغلبية 378 صوتًا مقابل 196 صوتًا. وقبل ذلك بأسبوع ، كانت لجنة الحريات المدنية بالبرلمان قد رفضت الصفقة بالفعل ، متذرعة بتحفظات قانونية.
في مارس 2011 ، تم الإبلاغ عن فشل آليتين لحماية البيانات المالية. وقد أصدرت يوروبول تقريرًا يشكو من أن طلبات الحصول على معلومات من طرف الولايات المتحدة كانت غامضة للغاية قد تشكل خرقا للحق المضمون للمواطنين الأوروبيين لمعرفة ما إذا كان قد تم الوصول إلى المعلومات الخاصة بهم من قبل السلطات الأمريكية..
لكن الضغوط الأمريكية تواصلت ضد مؤسسة اسوفت. وفي فبراير 2012 وافقت اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع على عقوبات ضد SWIFT بهدف الضغط عليها لإنهاء علاقاتها مع البنوك الإيرانية المدرجة في القائمة السوداء لحرمان إيران من الوصول إلى عائدات بمليارات الدولارات باستخدام شيفرة SWIFT.
في البداية، نفت اسويفت أنها كانت تتصرف بشكل غير قانوني ولكنها اعترفت لاحقًا “بأنها تعمل مع الحكومات الأمريكية والأوروبية لمعالجة مخاوفهم من أن خدماتها المالية تستخدم من قبل إيران لتجنب العقوبات والقيام بأعمال غير مشروعة” .
في 26 فبراير 2012 ذكرت صحيفة Berlingske الدنماركية أن السلطات الأمريكية لديها سيطرة كافية على SWIFT لمصادرة الأموال التي يتم تحويلها بين دول الاتحاد الأوروبي، وتحدثت عن حالة بعينها كمثال.
وفي سبتمبر 2013، ذكرت صحيفة دير شبيجل الألمانية بأن وكالة الأمن القومي الأمريكي NSA أصبحت تراقب على نطاق واسع المعاملات المصرفية عبر اسويفت وكذلك معاملات بطاقات الائتمان المصرفية.
وبحسب بعض الوثائق التي سربها العميل الأمريكي السابق أدوارد اسنودن، فقد اعترضت وكالة الأمن القومي واحتفظت ببيانات من شبكة SWIFT التي يستخدمها آلاف البنوك لإرسال معلومات المعاملات بشكل آمن، بعد أن تم تصنيف مؤسسة SWIFT على أنها “هدف” مشروع بذريعة ” الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي”.
ووفقًا لنفس الوثائق المذكورة، فقد قامت وكالة الأمن القومي بالتجسس على SWIFT باستخدام مجموعة متنوعة من الأساليب السيبرانية بما في ذلك قراءة “الحركة المشفرة لطابعة SWIFT في العديد من البنوك عبر العالم”.
وفي أبريل 2017 ، أفرجت مجموعة تعرف باسم Shadow Brokers عن ملفات زُعمت أنها من وكالة الأمن القومي تشير إلى أن الوكالة راقبت المعاملات المالية التي تمت من خلال منظومة تدبير نقل الأموال المعروفة SWIFT.
ولعل ما يجري اليوم من تهديدات أمريكية خاصة باستخدام SWIFT كسلاح مالي فتاك في تنافسها مع الخصم الروسي إنما يأتي من هذا الباب.. حيث تشكل تطورات الأزمة الأوكرانية الحالية فرصة ذهبية لمزيد من ابتزاز مؤسسة SWIFT وتسييس منظومتها المالية واستخدامها بشكل متغول في التأثير على ميزان القوة المالي العالمي وتغيير التوازنات في العلاقات الدولية بشكل تعسفي.. فهل تتحول SWIFT -رغم أنها مؤسسة تجارية خصوصية- إلى حصان طروادة أمريكي معاصر؟