مقابلة مع الأمين العام للكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا CGTM السيد عبد الله ولد محمد الملقب النهاه (الجزء الأول)
الاقتصادي الموريتاني – يمر عيد العمال هذه السنة في ظروف بالغة الصعوبة، ليس بالنسبة لموريتانيا فقط، وإنما في جميع بقاع المعمورة، ذلك أن فيروس كورونا ضرب العمال في مقتل، وألقت الاجراءات الاحترازية التي صاحبت جائحته بظلالها القاتمة على ظروف العمال ومعيشتهم.
الاقتصادي الموريتاني حاور الأمين العام للكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا CGTM السيد عبد الله ولد محمد الملقب النهاه، حول ظروف العمال في موريتانيا في ظل هذه الجائحة، والأضرار التي تعرضوا لها ومطالب مركزيته بشأن انشغالاتهم.كل ذلك إضافة ملفات عديدة، كالصحة والأمن الغذائي في البلاد، والفساد وتدخلات بريتون وودز والعولمة ومستقبل النظام العالمي الجديد.
المقابلة تنشر على جزئين نقدم أولهما الليلة
النهاه: تعامل الحكومة خلال أزمة كورونا تجاه تعسف الشركات إزاء العمال ليس في المستوى المطلوب
سؤال: كيف ترون وضعية العمال الموريتانيين في ظل الأزمة المترتبة عن جائحة كورونا؟
جواب: جل القطاعات الاقتصادية في البلد تأثرت بسبب جائحة كورونا، وتأثر العمال كان كبيرا بهذه الأزمة.
بعض الشركات أوقفت عملها وسرحت عمالها، كشركات التنقيب وبعض الشركات التي تعمل في إطار الغاز.
أخرى خفضت الرواتب؛ كشركة المطارات “سام” التي وصل التخفيض فيها نسبة 70%، شركات أخرى زادت ساعات العمل لتصل إلى 12 ساعة وتنوي تعويضها بالعطل.
والقطاع الوحيد الذي استفاد من الأزمة أقصد قطاع الذهب، الذي تجاوزت أسعار أونصته 1700 دولار، ترفض شركته التي تعمل في بلادنا ” تازيازت ” – رغم ما جنته – أن تنظر في الأمور العالقة مع العمال، وأن تستجيب لما يمكن الاستجابة له من مطالبهم.
بدل ذلك تؤثر التعنت وعدم الإصغاء، مما أدى إلى فشل المفاوضات، وجعل العمال يودعون إخطارا بالإضراب الذي يتوقع أن يدخل حيز التنفيذ يوم 04 مايو المقبل.
إذن الوضعية مأساوية، وتتطلب تعاملا خاصا، وخصوصا من طرف الحكومة فتعاملها مع ما يتعرض له العمال، لم يكن حقيقة في المستوى المطلوب؛ إذ أنها اكتفت بتعميم من وزير الوظيفة العمومية يوم 27 مارس، يلزم الشركات بعدم فصل العمال، أو خفض رواتبهم بسبب الأزمة الحالية، لكن هذا التعميم لم يصل لمستوى الإلزام القانوني.
النهاه: تعنت تازيازت رغم أرباحها دفع عمالها إلى إيداع إخطار بالإضراب
كان على الحكومة أن تعتمد على نص تنظيمي، سواء عن طريق الوزير، أو عن طريق مرسوم صادر عن الحكومة، يحدد الملامح العامة للتعامل خلال هذه الفترة.
سؤال: كيف ترون الحال مع القطاع غير المصنف؟
جواب: القطاع الغير مصنف مشاكله لا تنتهي، خصوصا أن الاقتصاد الموريتاني بالأساس اقتصاد غير مصنف، حيث أن الغالبية تنشط فيه، والإجراءات الاحترازية التي اتخذت رغم أنها ضرورية إلا أنها تفرض على الحكومة تضحيات من أجل التخفيف من آثارها.
نرجو ألا تطول هذه الإجراءات لأن استمرارها سيكون سيئا اقتصاديا وذي تأثيرات اجتماعية كارثية.
لكن أكثر ما يقلقنا ويخيفنا هو الجانب الغذائي، ذلك أن غالبية ما نستهلك هنا مستورد، وهو ما يجعلنا في خطر كبير، وما أعلنت عنه الحكومة لم يتخط لحد الآن مرحلة النوايا..
النهاه: إذا طالت الإجراءات الحكومية لمواجهة كورونا فستؤدي إلى نتائج اقتصادية/ اجتماعية كارثية
سؤال: الحكومة أعلنت أن المخزون الغذائي يكفي لستة أشهر، هل يكفي هذا الإعلان لتهدئة القلق من تلك المخاطر التي تحدثتم عنها سابقا؟
جواب: نحن بلد مفتوح وثقافتنا متطورة في التهريب وحتى لو كان ما صرحت به الحكومة صحيحا، فإننا لا نضمن أن يظل المخزون الغذائي كما هو، ففي هذا المجال نذكر بمحاولة تهريب زورق محمل بالبضائع إلى المغرب قبل أيام.
الأهم في الحقيقة أن تكون هذه الجائحة فرصة لموريتانيا والموريتانيين، على الجميع أن ينتهز هذه الفرصة وهذه الأجواء المحيطة بوضع إستراتجية سريعة لحل المشكل الغذائي والوصول إلى الاكتفاء الذاتي، وخصوصا أننا نمتلك الموارد سواء الطبيعية (الأراضي الصالحة للزراعة والمياه) وكذلك العنصر البشري، وخصوصا أن الأجور متدنية في القطاع الزراعي.
النهاه: يمكن لجائحة كورونا أن تكون فرصة للموريتانيين لوضع استراتيجية لحل المشكل الغذائي
سؤال: يعتبر المجال الصحي الشاغل الأكبر للمواطنين في هذه الأيام، فكيف ترون وضعية القطاع الصحي في البلد؟
جواب: أولا نريد أن نذكر هنا أن هذه الأزمة عرت نظام ول عبد العزيز، فالمليارات التي تم ضخها في قطاع الصحة لم يوجد لها أي أثر، فكان هناك فشل كبير سواء في وجود بنى تحتية أو من خلال الخدمات أو التكوين.
ما نحن بحاجة إليه هو إرادة سياسية حقيقية في هذا المجال، وأريد هنا أن نذكر بالقانون الذي تقدم به المرحوم الشيخ ولد حرمة للبرلمان والذي تم إجهاضه بفعل وقوف أباطرة الفساد وتزوير الأدوية من أصحاب عيادات وموردي أدوية وبعض السياسيين في وجهه، وهو ما يجعلنا نحمل النظام السابق المسؤولية ونؤكد من جديد أنه بدون إرادة سياسية حقيقية فلا مجال للحديث عن أي إصلاح جدي ذي أثر ملموس أو فائدة حقيقية.
النهاه: أزمة كورونا عرت نظام ولد عبد العزيز فلا أثر للمليارات التي ادعى أنه تم ضخها في قطاع الصحة
سؤال: هل ترون أن انخفاض أسعار النفط عالميا سيكون له تأثير على أسعارها داخليا؟
جواب: أولا أريد الرجوع إلى الوراء قليلا لتفسير وتوضيح الأسباب التي جعلت أسعار المحروقات ثابتة لا تتغير رغم انخفاضها منذ سنوات، ورغم المطالب بشأن خفضها.
وهنا أشير إلى أن الحكومة ظلت دائما مصرة على رفضها لتفسير الأسباب التي جعلت الأسعار كما هي عليه.
وبالعودة إلى الوراء سنتذكر جميعا ذلك الارتفاع القياسي في أسعار النفط في مطلع العشرية الماضية، وهو ارتفاع بنت عليه الحكومة سياسة جديدة قررت من خلالها تطبيق أسعار السوق، مما جعلها تتخلى تدريجيا عن دعم أسعار المحروقات، غير أن تلك الفترة تزامنت مع طفرة في أسعار المعادن أدت إلى حصول الحكومة على مليارات الدولارات من خلال هذه الطفرة، لكن ومع حلول 2015 بدأت أسعار المعادن في النزول، مما أثر تأثيرا كبيرا على خزينة الدولة وجعلها غير قادرة على الوفاء بالالتزامات الأساسية لبقاء الحياة الطبيعية لمؤسساتها، ولأن الدولة لم تؤسس لسياسة اقتصادية تجعل بقية القطاعات تمتص صدمة تراجع أسعار المعادن فإن الدولة لجأت لسد عجزها إلى الاستفادة من الانخفاض الذي حصل في أسعر النفط، فقررت أن تعوض خسائرها من أسعار المعادن بالفارق بين أسعار النفط التي كانت مطبقة وتلك التي طبقت بعد انخفاضها، وهي في الحقيقة كانت أمام خيارين إما أن تلجأ لهذه الطريقة أو تلجأ لرفع الضرائب.
النظام الحالي سار على نفس النهج وواصل بنفس الطريقة وخصوصا أنه لا يمتلك الموارد الكافية لتسيير التزاماته الأساسية.
إلا أن هذا النظام يمكن أن يستفيد من التحسن الذي طرأ على أسعار المعادن مع نهاية 2019 وبداية 2020، يمكنه إذن أن يستفيد لكن الأمر مشروط بنهاية أزمة كورونا وخصوصا بالنسبة للذهب الذي يواصل الصعود عكس الحديد الذي يمكن أن ينخفض.
أما بالنسبة للوضع الحالي، فينبغي أن نشرح مسار التموين بالمحروقات، فهو يمر بثلاث مراحل: المرحلة الأولى مرحلة الاستيراد والتخزين في نواذيبو، والمرحلة الثانية مرحلة النقل من نواذيبو إلى نواكشوط والمرحلة الثالثة هي مرحلة التوزيع.
النهاه: يمكن للنظام الحالي الاستفادة من ارتفاع أسعار المعادن وتخفيض أسعار المحروقات
بالنسبة للمرحلتين الأوليين يبدو أنه يقع فيهما الكثير من الفساد، وبالتالي فإن الفساد يعتبر عاملا من عوامل ارتفاع الأسعار، إلا أن أي تفسير دقيق لمدى الاستفادة من هذا الانخفاض الجنوني لأسعار المحروقات عالميا لابد أن يتكئ على معرفة دقيقة بطبيعة العقود المبرمة من طرف بلادنا من أجل استيراد تلك المحروقات.
يتواصل…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أدار الحوار محمد الكبير ولد السيد، وأجريت المقابلة في مقر المركزية يوم الخميس 24 ابريل 2020